تحرير: مدونة مكنة
في ظل الطموحات المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية ضمن رؤيتها 2030، بدأ القطاع العقاري يتبوأ مكانة محورية في دعم الاقتصاد الوطني. ولم تكن هذه النقلة في التركيز على العقار عشوائية، بل جاءت مدفوعة بحاجة المملكة إلى استيعاب النمو السكاني، ورفع نسب تملك المواطنين للمساكن، وتعزيز الاستثمارات المحلية. في هذا السياق، تبرز قصة شركة "حمد محمد بن سعيدان العقارية" كنموذج واقعي لتحول تدريجي ومنظم، يوضح كيف يمكن لشركة محلية ناشئة أن تتبوأ مكانة ريادية في قطاع استثماري حيوي، من خلال قرارات مالية ذكية، ورؤية استراتيجية مرنة، وقدرة تنفيذية منضبطة.
البدايات التنظيمية و تطور الهيكل القانوني:
تأسست شركة "حمد محمد بن سعيدان العقارية" بتاريخ 15 يوليو 2019م (12 ذو القعدة 1440هـ)، كشركة تضامنية تحت اسم "شركة حمد محمد بن سعيدان وشريكه"، برأس مال أولي لا يتجاوز مليون ريال سعودي. في تلك المرحلة، كان النموذج التشغيلي تقليدياً، حيث تقتصر الملكية على الشريكين المؤسسين: حمد محمد بن عبدالله بن سعيدان بنسبة 70%، وعبدالعزيز حمد محمد بن سعيدان بنسبة 30%. لكن الملفت في مسار الشركة هو سرعة اتخاذ قرارات جوهرية على مستوى الهيكل القانوني. فخلال أقل من شهرين، وبالتحديد في 2 سبتمبر 2019م، تحولت الشركة إلى ذات مسؤولية محدودة، وهي نقلة نوعية تتيح مرونة أكبر في الهيكلة وفصل الذمة المالية. صاحب هذا التحول تنازل عبدالعزيز حمد محمد بن سعيدان عن حصته لصالح شركة "عبدالعزيز بن حمد بن سعيدان للاستثمار"، أي أن الشركة بدأت تميل إلى الشكل المؤسسي من حيث الملكية. لاحقاً، في 15 مارس 2020م، تنازل الشريك المؤسس حمد محمد بن عبدالله بن سعيدان عن حصته لصالح "مكتب حمد محمد بن سعيدان للعقارات"، مما يؤكد توجّه الشركة الواضح نحو ترسيخ الملكية الاعتبارية بدلاً من الفردية، تمهيدًا لتوسعات مستقبلية تتطلب كيانات أكثر استقرارًا وشفافية.
استراتيجية غير تقليدية في التمويل والنمو:
على عكس العديد من الشركات الناشئة التي تعتمد على القروض أو التمويل النقدي المباشر، اعتمدت شركة حمد محمد بن سعيدان العقارية على زيادات رأسمالية عينية ومبتكرة.
اكتوير 2020: أول قفزة في رأس المال
تمت زيادة رأس المال من مليون إلى 15 مليون ريال سعودي من خلال نقل ملكية 3 عقارات سكنية وتجارية في الرياض وجدة إلى الشركة. هذه الخطوة تعكس قدرة عالية على الاستفادة من الأصول العقارية المتوفرة لتحسين المركز المالي دون الحاجة إلى تمويل خارجي أو تحميل الشركة مديونية.
يونيو 2021: الهيكلة الأعمق
في 28 يونيو 2021م، ارتفع رأس المال إلى 70 مليون ريال سعودي من خلال تحويل:
- 2.05 مليون ريال من الأرباح المبقاة.
- 52.9 مليون ريال من حساب مستحق لأطراف ذات علاقة، تمثل عقارات قائمة في الرياض.
اللافت أن هذه الخطوة كانت بمثابة تجميع رأسمالي داخلي يُمكّن الشركة من التوسع دون المساس بالسيولة النقدية أو تحمل أعباء دين.
ديسمبر 2022: التحول الى مساهمة مقفلة
وصل رأس المال إلى 240 مليون ريال، بالتزامن مع تحول الكيان القانوني إلى شركة مساهمة سعودية مقفلة. انضم 206 شريكًا في هذه المرحلة، وتمت الزيادة عبر أصول عقارية ونقدية، إلى جانب تحويلات من الأرباح والاحتياطات.
2025: الطرح في "نمو"
مع الاستعداد للطرح في السوق الموازية، ارتفع رأس المال إلى 282,352,940 ريال، بعد إصدار 4,235,294 سهمًا جديدًا بقيمة 10 ريالات للسهم.
نموذج أعمال متنوع: ما بين العقار، الخدمات، والتقنية
ترتكز الشركة اليوم على نموذج أعمال ثلاثي الأبعاد:
1. الاستثمار العقاري
يمثل العمود الفقري لنشاط الشركة، ويتضمن:
- عقارات مدرة للدخل (تأجير طويل الأجل)
- مشاريع تطوير عقاري وأراضٍ خام
2. الخدمات العقارية
وتشمل:
- إدارة الأملاك والمرافق
- الوساطة العقارية
- إدارة المشاريع
وقد ساهم هذا النشاط بما يقارب 5.57% من الإيرادات عام 2024م.
3. الاستثمار التقني
في خطوة جريئة، استثمرت الشركة في شركات ناشئة مثل:
- "صفقتك للاستثمار"
- "خطوة تك لتقنية نظم المعلومات"
وأطلقت برامج عقارية مثل "بروبتك"، ما يعكس توجهًا نحو الرقمنة وتوسيع مصادر الدخل.
الهيكل المؤسسي: شركات تابعة وتوسع جغرافي
تضم الشركة أربع شركات تابعة:
- صفقتك للاستثمار (100%)
- ديم المتحدة للعقارات (50%)
- موطن التشييد (50%)
- أساس الخام للاستثمار (50%)
أما جغرافيًا، فقد توسعت عمليات الشركة في:
- الرياض (94.4% من الإيرادات)
- جدة (5.5%)
- تبوك، مكة، حفر الباطن (حضور عقاري غير جوهري حتى الآن)
الحوكمة والاستدامة: إصلاحات متقدمة
رغم أنها شركة عائلية المنشأ، بدأت الشركة منذ وقت مبكر الالتزام بمعايير الحوكمة. تم تشكيل مجلس إدارة ولجان مستقلة (لجنة المراجعة، لجنة الترشيحات والمكافآت). كما اتخذ المجلس قرارًا بعدم التعامل مع الأطراف ذات العلاقة لمدة عامين بدءًا من ديسمبر 2024م، بهدف تعزيز الاستقلالية والشفافية.
أما على صعيد الاستدامة، فالشركة ملتزمة بالمسؤولية الاجتماعية، وتعمل على تطوير معايير داخلية خاصة بالاستدامة البيئية والحوكمة (ESG)، رغم عدم تبنيها رسميًا حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
الأداء المالي: نمو سريع ومتوازن
الإيرادات
- 2022: 57.4 مليون ريال
- 2023: 56.2 مليون ريال
- النصف الأول 2025: 33.2 مليون ريال
صافي الربح
- 2022: 2.45 مليون ريال
- 2023: 4.37 مليون ريال
- النصف الأول 2025: 5.34 مليون ريال
رغم بعض التذبذب في الإيرادات، إلا أن الربحية في تحسن مستمر، نتيجة التنويع وتقليل التكاليف.
المديونية
- انخفضت من 90.3 مليون ريال في 2022 إلى 68.2 مليون ريال في 2024
- نسبة الدين إلى حقوق الملكية تراجعت من 37.24% إلى 21%
التحديات والمخاطر:
الشركة لا تخلو من تحديات، أبرزها:
- الاعتماد على التعاملات مع أطراف ذات علاقة (19.48% من الإيرادات في 2024)
- تركيز الإيرادات في العقارات (94.89%)، ما يعرضها لتقلبات السوق
- توسعها في التقنية دون خبرات تشغيلية كافية
- الاعتماد على التمويل بضمانات شخصية
ورغم ذلك، فإن القرارات التصحيحية الأخيرة توضح مستوى الوعي العالي لدى الإدارة.
المستقبل: بين الأسواق والرقمنة:
تستهدف الشركة التوسع في مشاريعها السكنية واللوجستية، وأبرزها:
- مشروع الرمال السكني (الرياض)
- مشروع نمار
- مستودعات النظيم
كما أنها تراهن على الاستفادة من استثماراتها التقنية في برنامج "بروبتك" لتسويقه لشركات أخرى.