اليوم السابع: لا تعبر النهر من فوقه

10 يونيو 2025
مدونة مكنة
اليوم السابع: لا تعبر النهر من فوقه

تحرير: مدونة مكنة




أحيانًا، أقصر طريق للحل يبدأ من خط النهاية.


✦ المقدمة:

اعتدنا أن نفكر في اتجاه واحد: من المشكلة إلى الحل، من السؤال إلى الجواب، ومن البداية إلى النهاية. ولكن، ماذا لو جربنا العكس تمامًا؟ ماذا لو انطلقنا من الوجهة النهائية وعدنا إلى نقطة البداية؟

ماذا لو تساءلت: "كيف أضمن فشل هذه الفكرة؟" أو "كيف أفعل نقيض ما يفعله المنافسون؟"

أهلاً بك في مبدأ "العكس" (Inversion)، احد مبادئ منهجية "تريز" (TRIZ) للحل الإبداعي للمشكلات. في هذا المقال، سنكتشف كيف يمكن لمجرد قلب زاوية التفكير أن يفتح لك آفاقًا جديدة، لم تكن لتراها وأنت تسير في الطريق التقليدي.


✦ ما هو مبدأ "العكس"؟

في منهجية "تريز"، يُستخدم هذا المبدأ للوصول إلى حلول غير متوقعة عبر:

  • قلب الإجراءات: عكس ترتيب الخطوات أو العمليات.
  • عكس المكونات: تحويل الأجزاء المتحركة إلى ثابتة، أو العكس.
  • التفكير بالضد: بدلًا من التفكير في "ما يجب فعله"، فكّر في "ما لا يجب فعله" لتجنبه.
  • تخيّل النتيجة أولًا: ابدأ من النهاية المنشودة ثم اعمل بشكل عكسي للوصول إليها.

📌 هو ليس مجرد تمرين ذهني، بل أداة فعّالة لكسر الجمود الفكري وتجاوز العقبات الإبداعية.


✦ لماذا نحتاج إلى التفكير العكسي؟

لأن عقولنا مصممة لتفضيل التكرار والأنماط المألوفة؛ فالروتين يمنحنا شعورًا بالأمان، لكنه يقتل الجرأة في التفكير. وكما يقول إدوارد دي بونو في كتابه "التفكير الجانبي" (Lateral Thinking):

"المنطق يأخذك من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، أما الإبداع فيأخذك إلى أي مكان."


✦ مبدأ "العكس" في حياتك اليومية

🔁 هل سبق لك أن:

  • بدأت بكتابة خاتمة مقال قبل المقدمة؟
  • صممت عرضًا تقديميًا بالبدء من شريحة "الدعوة لاتخاذ إجراء" (Call to Action)؟
  • وضعت سيناريو "فشل" كامل لمشروعك، فقط لتعرف كيف تتجنب هذا الفشل؟
  • سألت فريقك: "كيف يمكننا أن نجعل هذه التجربة مملة قدر الإمكان؟" بهدف تصميم تجربة شيقة؟

إذا فعلت ذلك، فقد طبقت التفكير العكسي بالفعل.


✦ تمرين اليوم: "الفكرة المقلوبة"

📝 اختر فكرة تعمل عليها حاليًا (مشروع، حملة إعلانية، جلسة تدريبية، أو حتى هدف شخصي). ثم أجب عن الأسئلة التالية:

  1. ما الهدف النهائي الذي تسعى إليه؟
  2. ما هي الطريقة التقليدية والمباشرة للوصول إليه؟
  3. ما هو "عكس" هذه الطريقة تمامًا؟ (لو فعلت النقيض، كيف سيبدو الأمر؟)
  4. كيف سيبدو شكل المنتج/الفكرة لو أنك بدأت من النتيجة النهائية وعملت بشكل عكسي؟
  5. ماذا سيحدث لو عكست ترتيب الخطوات؟ أو الجمهور المستهدف؟ أو طريقة العرض؟

✨ الهدف من هذا التمرين ليس تبني كل فكرة عكسية، بل كشف زوايا ورؤى جديدة لم تكن لتخطر لك في وضع التفكير التقليدي.


✦ أمثلة واقعية لاستخدام "العكس" في الإبداع:

  • منصات TED Talks: العديد من المحاضرات الشهيرة تبدأ بسرد "قصة النهاية" أو النتيجة الصادمة، ثم تعود بالزمن للخلف لتشرح للمشاهد كيف وصل المتحدث إلى تلك النقطة.
  • إعلانات "Apple": عكست المفهوم التسويقي السائد؛ فبدلًا من التركيز على مواصفات المنتج، ركزت على هوية "الإنسان المبدع" الذي يستخدم هذا المنتج، جاعلة العميل هو البطل وليس الجهاز.
  • ألعاب التفكير التصميمي (Design Thinking Games): يبدأ المدرب أحيانًا بتحدي الفريق: "صمموا أسوأ تجربة عميل ممكنة." وبعد تحديد كل نقاط السوء، يتم تحويلها إلى فرص للابتكار وتقديم حلول استثنائية.


✦ تطبيق "العكس" على مهاراتك اليومية:

يمكنك دمج هذا المبدأ في مهامك بسهولة. فمثلًا:

  • في العروض التقديمية: بدلًا من الطريقة التقليدية بالبدء بالخلفية ثم عرض الفكرة، جرب الأسلوب العكسي وابدأ بالنتيجة النهائية أو الخاتمة المؤثرة أولًا، ثم ابنِ قصتك للوصول إليها.
  • في كتابة التقارير: الطريقة المعتادة هي الانطلاق من البيانات للوصول إلى التوصيات. جرب العكس: ابدأ بالتوصية النهائية التي تريد إقناع القارئ بها، ثم استخدم البيانات كأدلة تدعم هذه التوصية.
  • في حل المشكلات: بدلًا من تحديد الأسباب أولًا ثم البحث عن حل، تخيل أن المشكلة قد حُلّت بالفعل. الآن، ارجع بالزمن خطوة بخطوة لتحدد ما هي الإجراءات التي أدت إلى هذا الحل الناجح.
  • في تطوير المنتجات: التفكير التقليدي يدفعنا لإضافة ميزات جديدة. أما التفكير العكسي فيقترح: ماذا لو فكرنا في إزالة المكونات غير الضرورية؟ هذا قد يؤدي إلى منتج أبسط وأكثر تركيزًا وقيمة للمستخدم.


✦ العقل يعشق الطرق الجديدة

في دراسة نشرتها مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، وُجد أن الفرق التي تتبنى تمارين "التفكير العكسي" تُظهر تحسنًا بنسبة 32% في قدرتها على ابتكار حلول جديدة أثناء جلسات العصف الذهني. ذلك لأن التفكير العكسي لا يعيدك إلى البداية فحسب، بل يجعلك ترى الطريق بأكمله من منظور مختلف تمامًا.


✦ اقتباس اليوم:

"عندما تغير الطريقة التي تنظر بها إلى الأشياء، فإن الأشياء التي تنظر إليها تتغير."
– وين داير


✦ غدًا نلتقي:

في المقال الثامن، "الضوء لا يأتي من النوافذ دائمًا"، سنتحدث عن كيفية استغلال الموارد المتاحة بين أيدينا بطرق مبتكرة ومفاجئة، بدلًا من البحث الدائم عن موارد جديدة.