تحرير: مدونة مكنة
لأن ما تفعله يوميًا ليس كل ما أنت قادر على فعله.
حين تُسأل: "ما وظيفتك؟"
ربما تقول: "أنا أعمل في التسويق"، أو "مصمم عروض"، أو "أدير محتوى رقميًا"، أو حتى "أقوم بمهام مكتبية عامة".
لكن السؤال الأعمق هو:
"ما الوظائف التي تؤديها روحك في اليوم؟"
ما الذي تطمح لإنجازه خارج بنود الوصف الوظيفي؟
في هذا المقال، نغوص لاكتشاف المهام الحقيقية — الوظائف الخفية التي تقوم بها كمبدع، والتي لا تُكتب في السيرة الذاتية، ولكنها تشكل هويتك المهنية والإنسانية.
ما هي “الوظائف” حقًا؟
في علم التصميم و الابتكار، تُستخدم نظرية شهيرة تسمى Jobs To Be Done (JTBD)، تقول:
"الناس لا يشترون المنتجات، بل يستأجرونها لإنجاز وظيفة معينة."
لفهم عمق هذا المفهوم، يقدم كلايتون كريستنسن مثالاً بديعاً بمشروب الميلك شيك.
فقد لاحظ أن العملاء في الصباح الباكر يشترونه ليس لطعمه، بل لأنه يؤدي وظيفة دقيقة:
✅ مرافقتهم أثناء القيادة
✅ إشباع الجوع بطريقة عملية
✅ ملء وقت الرحلة بشيء يمنحهم شعوراً بالراحة
لم يكن الميلك شيك مجرد مشروب، بل كان "يُستأجر" لإنجاز مهمة في روتينهم الصباحي.
وهكذا، يصبح جوهر النظرية واضحاً:
"المنتجات والخدمات، مثل الأشخاص، تلعب أدواراً خفية ومهمة في حياتنا."
إذا أسقطنا هذا المفهوم على نفسك، نكتشف أن كل أداة، كتاب، تطبيق، وحتى عادة — تؤدي وظيفة خفية تبحث عنها.
لكن ماذا عن "نفسك"؟ ما الوظائف التي تؤديها لنفسك يومياً؟
فكر في نفسك الآن: ما هي **الوظائف التي تستأجر نفسك يومياً لأدائها — سواء في العمل أو في حياتك الشخصية — لتشعر بالرضا، التقدم، والارتباط بالعالم؟"
✦ الوظائف التي تبحث عنها النفس المبدعة:
نستطيع تلخيص أهم الوظائف التي تسعى لتحقيقها، تحت ثلاثة محاور رئيسية:
🔹 أولًا: الوظائف الوظيفية (Functional)
أنت تريد أن:
✦ تأتي بأفكار جديدة
الابتكار ليس رفاهية، بل أصبح عملة النجاح.
✦ تصمم عروضًا إبداعية
لعرض فكرتك بوضوح وجاذبية — سواء على مديرك أو جمهورك.
✦ تحسّن العمليات داخل عملك
لأنك ترى المشكلات وتفكر بحلول — لا فقط تنفذ ما يُطلب.
✦ تشارك في العمل الجماعي بإبداع
لأن الأفكار تولد أفضل حين تُشارك وتُناقش.
✦ تشارك أفكارك مع المديرين
لتترك أثرًا حقيقيًا، وليس مجرد الحضور الفيزيائي.
✦ تحصل على الاعتراف بأفكارك
لأن الإنسان يحتاج لتقدير مساهمته الفكرية.
🔹 ثانيًا: الوظائف الاجتماعية (Social)
أنت لا تعمل في فراغ.، فهناك أيضًا رغبة في:
- 👥 بناء سمعة مهنية كمبدع/مفكر
- 🤝 التواصل مع زملاء ملهمين
- 🎯 الانضمام لمجتمعات تحفزك فكريًا
🔹 ثالثًا: الوظائف الشخصية (Personal)
وربما الأهم، أن تكون:
- 🌱 نشيطًا ومتحفزًا يوميًا
- 🧠 تنمو فكريًا، تتحدى نفسك
- ⚖️ تجد توازنًا بين العمل والعقل
هذه المهام تُنجز داخلك بصمت، لكنها تشكل كيف تعيش حياتك.
✦ كيف تنكشف هذه الوظائف؟
أنت لا تدرك دومًا أنك تقوم بها، لكنها تظهر حين:
- تعود من عملك مرهقًا، لا لأنك تعبت جسديًا، بل لأنك لم تساهم فكريًا.
- تشعر أن يومك كان "مكررًا"، رغم أنك أنجزت الكثير.
- تشاهد عرضًا رائعًا لأحدهم وتتساءل: "لماذا لا أقدم شيئًا كهذا؟"
- تبتسم حين يصفق لك فريق العمل لفكرة بسيطة — وتشعر أنك حيّ.
✦ الإبداع: وظيفة بداخل الوظيفة
في دراسة أجراها معهد McKinsey Global Institute عام 2020، وُجد أن:
"القدرة على حل المشكلات المعقدة والتفكير الإبداعي ستكون من أهم مهارات العقد القادم."
لكن المشكلة أن هذه المهارات لا تُدرّس، بل تُمارس — مثل العضلات.
أنت تحتاج إلى أدوات تدعمك لتنجز كل تلك الوظائف بوعي، وسنبدأ غدًا بالغوص في “العوائق” التي تعطل ذلك.
✦ تمرين اليوم: "دورك الحقيقي"
📝 خصص 15 دقيقة واكتب في ثلاث قوائم:
- المهام الظاهرة (المكتوبة في الوصف الوظيفي)
مثال: تصميم شرائح عرض، تحليل بيانات، كتابة تقارير.
- المهام التي تؤديها فعلاً يومياً
مثال: تحسين محتوى العروض، شرح المعاني للفريق، طرح أسئلة جديدة.
- المهام التي تتمنى أداءها (طموحاتك المهنية)
مثال: تقديم عروض محفزة، بناء لوحات تفاعلية، إنشاء مجلة داخلية.
✨ بعد الكتابة، اسأل نفسك:
- ما الفرق بين ما تفعله الآن وما تطمح إليه؟
- ما الذي يمنعك من الانتقال إلى ما تريد؟
- كيف يمكن للتمارين اليومية مثل هذا التمرين أن تقرّبك من أداء مهام أكثر إبداعاً وقيمة في عملك؟
✦ اقتباس اليوم:
"لا تكتفِ بالقصص عن كيف جرت الأمور مع الآخرين، بل اكشف عن أسطورتك الخاصة."
“Don’t be satisfied with stories, how things have gone with others. Unfold your own myth.”
– جلال الدين الرومي
✦ لمحة عن الغد:
في المقال القادم بعنوان "الظل الذي لا نواجهه"، سنفتح بابًا صعبًا: ما الذي يمنعك من التعبير عن أفكارك؟ سنناقش الخوف من الفشل، ضغط الوقت، وغياب الأدوات.