تحرير: مدونة مكنة
في أحد أحياء الرياض الهادئة، عام 1969م، بدأ الشيخ عبدالرحمن بن ناصر الماجد خطواته الأولى في مجال الاستثمار العقاري، من خلال ورشة عمل صغيرة تركزت أعمالها على شراء الأراضي وبناء المشاريع السكنية البسيطة. لم تكن الشركة تحمل آنذاك اسمًا تجاريًا لامعًا، لكنها كانت تحمل رؤية عائلية راسخة: "استثمار طويل الأمد مبني على الأمانة والجودة".
المرحلة التأسيسية (1969 – 2010): نمو تدريجي وفق نمط عائلي
على مدى أربعة عقود، توسعت أعمال العائلة في تطوير المشاريع السكنية الصغيرة والمتوسطة، حيث تم تأسيس عدة شركات عائلية تحت أسماء الأبناء، أبرزها:
- شركة محمد وخالد أبناء عبدالرحمن الماجد العقارية.
- شركة حسام وماجد أبناء عبدالرحمن الماجد العقارية.
حتى نهاية عام 2010م، ظلت الشركة تعمل بأسلوب "المنظومة العائلية"، مع تركيز كبير على العلاقات الشخصية والمعرفة العميقة بسوق الرياض، دون إطار مؤسسي موحد.
المرحلة الانتقالية (2011 – 2014): بدء التنظيم الداخلي
عام 2011 كان بداية إدراك العائلة لحجم التحولات القادمة في السوق العقاري السعودي. فقد بدأت المنافسة تشتد، وظهرت الحاجة إلى إدارة المشاريع بطريقة أكثر كفاءة.
في 2011م، تم توفير التمويل اللازم لتطوير مجموعة مشاريع جديدة.
في 2013م، قامت العائلة بتأسيس شركة ناصر وعبدالسلام أبناء عبدالرحمن الماجد العقارية كخطوة أولى نحو كيان أكثر تنظيمًا.
بحلول 2014م، تمت أولى عمليات دمج الكيانات العائلية الصغيرة لتأسيس شركة دار الماجد العقارية، مع توفير تمويل لمشاريع إضافية.
ومع ذلك، ظلت الشركة تفتقر إلى الهيكلة المؤسسية الحقيقية، حيث كانت الكيانات العائلية تعمل كمجموعات منفصلة تحت مظلة واحدة اسمًا فقط.
التحول المؤسسي الأول (2015 – 2019): وضع اللبنات الأساسية للحوكمة
في الفترة ما بين 2015 و2019، خطت دار الماجد أولى خطواتها نحو التحول المؤسسي:
2015م: توسعت الشركة في الاستحواذ على أراضٍ استراتيجية داخل الرياض، بهدف تنمية محفظتها العقارية.
2016م: تم الانتهاء من مشروع برج الماجدية، وهو أول مشروع تجاري مكتبي متكامل للشركة.
2017 – 2018م: أطلقت الشركة سلسلة من المشاريع السكنية ضمن خطة تستهدف توحيد معايير الجودة والتصميم للمشاريع المستقبلية.
2019م: أنجزت الشركة مشروع "الماجدية 20"، والذي كان علامة فارقة كأول مشروع سكني يُدار بالكامل بهيكل تشغيلي موحد.
هذه المرحلة شهدت أيضًا بداية التفكير الجاد في كيفية الانتقال من كيان عائلي إلى كيان مؤسسي مؤهل للتعامل مع معايير السوق المالية.
إعادة الهيكلة الكبرى (2020 – 2023): التأسيس الفعلي للكيان المؤسسي
عام 2020 كان نقطة التحول الحاسمة في تاريخ الشركة. أدركت العائلة أن بقاءها ضمن دائرة المنافسة في السوق السعودي يتطلب:
- دمج جميع الشركات التابعة تحت كيان قانوني واحد.
- إعادة هيكلة العمليات الإدارية والمالية.
- الاستعداد للامتثال الكامل لمتطلبات هيئة السوق المالية.
وبالفعل، تم في 2020:
- إتمام الاستحواذ الكامل على جميع الشركات التابعة.
- إعادة تسمية الكيان الموحد باسم "شركة دار الماجد العقارية".
- في 2021م، تم تحويل الكيان القانوني إلى شركة مساهمة مقفلة.
- 2022م شهد زيادة رأس المال إلى 300 مليون ريال سعودي، مقسمًا إلى 300 مليون سهم عادي.
كذلك، وسّعت الشركة من شراكاتها الاستراتيجية عبر:
- اتفاقية مع الشركة الوطنية للإسكان لتنفيذ مشروعين سكنيين يضمان 551 وحدة سكنية.
- شراكة مع أمانة المدينة المنورة لتطوير مشروع "مشراف الماجدية".
الاستعداد للإدراج في السوق المالية (2023 – 2025): بداية مرحلة النضج
في عام 2023، قدمت الشركة طلبًا رسمياً للإدراج في السوق المالية السعودية (تداول)، مع خطة لطرح 30% من أسهمها (90 مليون سهم) للاكتتاب العام.
بالتوازي، ركزت الشركة على مشاريع إسكانية ميسورة تستهدف سد الفجوة السكنية في مدينة الرياض، والتي تُقدّر بـ 91,000 وحدة سكنية بحلول عام 2030م.
كما وضعت خطة توسعية لدخول أسواق جديدة في جدة والمدينة المنورة، إضافة إلى مشاريع تجارية نوعية مثل مشروع "الماجدية مجاز".
نموذج الأعمال: من المرونة التقليدية إلى المنهجية المؤسسية
تحولت دار الماجد إلى نموذج أعمال متكامل يعتمد على:
- بيع الوحدات السكنية (تمثل 72.2% من الإيرادات).
- بيع الأراضي (13.8%).
- تطوير مشاريع بالشراكة مع أطراف ثالثة وصناديق استثمارية.
كما أن الشركة اعتمدت على التحول الرقمي عبر استثمارها في نظام ERP Next وإطلاق تطبيقات مخصصة لخدمة العملاء، مما عزز كفاءتها التشغيلية.
البيانات المالية: أداء قوي رغم التحديات
بين 2021 و2023، سجلت الماجدية إيرادات بين 1.03 – 1.13 مليار ريال سعودي سنويًا.
ورغم تسجيل معدل نمو سنوي مركب سلبي للإيرادات بنسبة 4.4%، حافظت الشركة على:
- هامش مجمل ربح بلغ 26.7% في 2023م.
- هامش صافي ربح عند 16.1%.
الماجدية تستعد من خلال الطرح العام لتحسين مركزها المالي، مستفيدة من زيادة التدفقات النقدية لدعم خطط التوسع.
المخاطر والتحديات: رؤية واقعية واستعدادات استباقية
الشركة تدرك تمامًا أنها تواجه بيئة مليئة بالتحديات، منها:
- تقلبات أسعار العقارات.
- اعتمادها المفرط على سوق الرياض.
- ارتفاع تكاليف البناء وأسعار الفائدة.
- منافسة حادة من شركات كبرى مثل روشن ودار الأركان.
- التغيرات التنظيمية (مثل رسوم الأراضي البيضاء وكود البناء السعودي).
لكن في المقابل، تعتمد الشركة على شبكة تحالفات قوية مع بنوك كبرى (الراجحي، السعودي الفرنسي، بنك الرياض)، بالإضافة إلى شراكات مع جهات حكومية (الشركة الوطنية للإسكان، أمانة المدينة المنورة).
دار الماجد.. نموذج في التحول المؤسسي المدروس
اليوم، تقف دار الماجد العقارية على أعتاب تحول استراتيجي جديد. فالشركة التي بدأت قبل 55 عامًا ككيان عائلي صغير، باتت جاهزة لأن تدخل السوق المالية السعودية كلاعب رئيسي.
نجاح الماجدية لا يكمن في سرعة توسعها، بل في قدرتها على إدارة التحول بذكاء، من خلال الجمع بين القيم العائلية الراسخة والحوكمة المؤسسية الحديثة.