العبيكان للزجاج: من مصنع ينبع إلى أسواق العالم – كيف قاد الذكاء التشغيلي والحوكمة المحكمة التحول إلى "تاسي"؟

13 يوليو 2025
مدونة مكنة
العبيكان للزجاج: من مصنع ينبع إلى أسواق العالم – كيف قاد الذكاء التشغيلي والحوكمة المحكمة التحول إلى "تاسي"؟

تحرير: مدونة مكنة




صناعة الزجاج تحت المجهر الاستثماري:

في السنوات الأخيرة، باتت الصناعات التحويلية في المملكة العربية السعودية حجر زاوية في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز المحتوى المحلي. وسط هذا المشهد، تتجلى شركة "العبيكان للزجاج" كأحد أبرز الأمثلة على النمو الاستراتيجي المحسوب. انطلقت من منشأة واحدة في ينبع، لكنها تمكنت بخطى ثابتة من الوصول إلى السوق الرئيسية "تاسي"، محققة بذلك إنجازًا نوعيًا يعكس رؤيتها الطموحة وقدراتها الإنتاجية والحوكمة المتقدمة التي تتبناها.



من رؤية عائلية إلى كيان صناعي مؤسسي:

تأسست شركة العبيكان للزجاج في 23 ديسمبر 2006 بمدينة الرياض، برأس مال مبدئي قدره 20 مليون ريال سعودي، مستندة إلى دعم مباشر من مجموعة العبيكان للاستثمار. منذ تأسيسها، كانت الشركة تستهدف أن تصبح لاعبًا صناعيًا متكاملًا في قطاع الزجاج، حيث جمعت بين التصنيع والتجارة والخدمات الفنية، بما يشمل صناعة الزجاج المسطح، زجاج السلامة، المرايا، وتقديم خدمات التقطيع والتركيب والتلوين.

وتمكنت الشركة من تطوير قاعدة إنتاجية قوية انطلقت من ينبع، مستفيدة من قربها من الموانئ والمناطق الصناعية، مما أعطاها ميزة لوجستية هامة في التوريد والتصدير.




من السوق الموازية إلى الإدراج في "تاسي":

شهدت رحلة العبيكان للزجاج تحولات استراتيجية متعددة، أبرزها التوسع في هيكلها المالي، وتعزيز وجودها في السوق المالي:

  • في عام 2019، رفعت الشركة رأس مالها إلى 240 مليون ريال سعودي عبر رسملة مستحقات لجهات ذات علاقة.
  • في عام 2022، تم إدراج الشركة لأول مرة في السوق الموازية "نمو"، وتبع ذلك زيادة جديدة في رأس المال إلى 320 مليون ريال سعودي، مع منح سهم مجاني مقابل كل ثلاثة أسهم.
  • في عام 2025، وبعد استيفاء المعايير اللازمة، حصلت على الموافقة النهائية من "تداول السعودية" للانتقال إلى السوق الرئيسية "تاسي"، بعد أن بلغت نسبة ملكية الجمهور أكثر من 33%.

هذه التحركات لم تكن مجرد تغييرات شكلية، بل مثلت مراحل نضج تدريجي نحو الاحترافية في الإفصاح والحوكمة والجاهزية المؤسسية.



أساس التوسع الصناعي:

تدير العبيكان للزجاج مصنعًا متقدمًا في ينبع الصناعية بقدرة إنتاجية يومية تصل إلى 800 طن، ما يعادل طاقة سنوية تبلغ 292,000 طن من الزجاج. هذا المصنع مزود بأحدث تقنيات الأفران وأجهزة المراقبة والقياس، ويعتمد على مواد خام أساسية مثل رمل السيليكا ورماد الصودا.

تملك الشركة أيضًا علامة تجارية مسجلة ("Obeikan GLASS COMPANY")، وحصلت على شهادات جودة عالمية منها ISO 9001 وISO 14001 وISO 45001، كما نالت جوائز مرموقة مثل جائزة الملك عبد العزيز للجودة عام 2020، والجائزة العربية للجودة في 2021.



التوسع في الأسواق والشراكات الاستراتيجية:

ترتبط العبيكان بعلاقات استراتيجية مع شركتين رئيسيتين:

  • شركة المسبك السعودي لصب الألمنيوم (تابعة بنسبة 60%)
  • شركة العبيكان أي جي سي للزجاج (زميلة تمتلك فيها 19%)، والتي مثلت وحدها 16.8% من إيرادات الشركة في 2024

وتغطي عمليات التوزيع أسواقًا متنوعة، تشمل المملكة وآسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكتين، حيث تمثل السوق السعودية 62% من الإيرادات، تليها آسيا بنسبة 18%، وأفريقيا بنسبة 10%.



بين ذروة الإنجاز والتحديات المرحلية:

في عام 2022، بلغت إيرادات شركة العبيكان للزجاج حوالي 502.2 مليون ريال سعودي، محققة بذلك صافي ربح قدره 177.6 مليون ريال، وهو ما شكل ذروة أدائها المالي حتى ذلك الوقت.

لكن في العام التالي، 2023، واجهت الشركة ضغوطات سوقية وانخفاضًا في الطلب، مما أدى إلى تراجع الإيرادات إلى 394 مليون ريال سعودي، مع صافي ربح بلغ 64 مليون ريال فقط، أي بانخفاض ملحوظ بنسبة تقارب الثلثين مقارنة بالعام السابق.

أما في عام 2024، فقد استمرت التحديات، وتراجعت الإيرادات مرة أخرى إلى 327.1 مليون ريال سعودي، لتسجل الشركة أول خسارة صافية لها بقيمة 3.5 مليون ريال.

يعزى هذا التراجع إلى انخفاض متوسط أسعار البيع، وارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام، وتركيز الشركة على الزجاج المسطح الذي يمثل 96% من إجمالي الإيرادات.



نموذج عمل متكامل وتوجهات استدامة واضحة:

تعتمد الشركة على نموذج أعمال يجمع بين التصنيع والتجارة والخدمات الفنية. وتحرص على تقديم منتجات متنوعة تشمل الزجاج المسطح، زجاج السلامة، والمرايا، مع قدرة تصدير قوية وتسهيلات لوجستية واسعة.

كما تركز الشركة على الاستدامة، حيث حصلت على تقييم متقدم في مؤشر SIRI، وبيان المنتج البيئي (EPD). وبلغت نسبة السعودة 37% في المصنع بنهاية مايو 2025، بما يعكس التزامها بسياسات التوطين.



الانتقال الرقمي والجاهزية التقنية:

تعمل الشركة على تطوير بنيتها الرقمية، من خلال تحديث برامج إدارة الطاقة، أنظمة المراقبة الذكية، وأتمتة عمليات الإنتاج والصيانة. كما تستخدم أدوات قياس ثلاثية الأبعاد والطابعات الصناعية، خصوصًا في مصنع الألمنيوم التابع لها.



مرجعية للممارسات الرشيدة:

اعتمدت الشركة دليل الحوكمة الخاص بها في سبتمبر 2024، وتطبق البنود الإلزامية للائحة الحوكمة. كما وضعت آليات لتحديد حدود الائتمان للعملاء بناءً على تقييمات دقيقة، مما يعزز من جودة التحصيل والسيطرة على المخاطر الائتمانية.

تتسم هيكلية الملكية بالتوازن، وتوفر قاعدة مساهمين متنوعة، في حين يقود مجلس إدارتها نخبة من الخبراء الصناعيين والتنفيذيين، في مقدمتهم المهندس عبدالله عبدالرحمن العبيكان.



حدود النمو في بيئة تنافسية:

رغم نجاحاتها، تواجه الشركة عددًا من المخاطر الجوهرية، أبرزها:

  • الاعتماد على مصنع واحد فقط، ما يعرضها لمخاطر تشغيلية.
  • ارتفاع تكاليف الطاقة والمواد الخام.
  • ضعف تنوع المنتجات، حيث تهيمن مبيعات الزجاج المسطح.
  • الاعتماد على عدد محدود من العملاء الكبار.
  • مخاطر الالتزامات المالية نتيجة التسهيلات البنكية ورهن الأصول.
  • التحديات التنظيمية بعد الدخول إلى السوق الرئيسية.
  • احتمالية تأخر التحصيل من العملاء أو الشركة الزميلة.
  • عدم وجود أدوات تحوط من تقلبات الأسعار، ما يزيد من حساسية التكاليف.



نحو تكامل صناعي متعدد القطاعات:

تسعى العبيكان للزجاج خلال السنوات القادمة إلى:

  • دخول مجالات جديدة مثل صناعة أجزاء السيارات، الطاقة المتجددة، والتعدين.
  • تعزيز قدرتها التصديرية وتوسيع وجودها في أوروبا والأمريكتين.
  • الاستفادة من موقعها في السوق الرئيسية لجذب استثمارات مؤسسية.
  • استكمال أتمتة عملياتها الصناعية لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.



هل نشهد ولادة عملاق صناعي جديد؟

قصة العبيكان للزجاج ليست مجرد انتقال إداري من "نمو" إلى "تاسي"، بل تمثل تحولًا استراتيجيًا على مستوى النموذج التشغيلي، والحوكمة، والطموح الصناعي. ورغم التحديات المرحلية التي ظهرت في نتائج 2024، فإن جاهزيتها المؤسسية، وقوة مواردها، وشبكة علاقاتها مع الموردين والعملاء، تمنحها القدرة على التعافي والعودة إلى مسار النمو.

بقي أن تبرهن الشركة في السنوات القادمة على قدرتها على الابتكار وتنوع المنتجات، لتتجاوز الانكماش وتثبت مكانتها كأحد أعمدة الصناعة التحويلية في المملكة والمنطقة.