تحرير: مدونة مكنة
من الديناميكية العقارية إلى الاستراتيجية المتخصصة:
وسط سوق عقاري سعودي يتأرجح بين الطفرات العمرانية وموجات التصحيح، ظهرت "أدير العقارية" كلاعب غير تقليدي. نشأت في وقت كانت فيه شركات التطوير والمبيعات تتصدر المشهد، واختارت طريقًا مختلفًا: التخصص الدقيق في إدارة الأملاك والمزادات العقارية. في حين ركزت كبرى الشركات على المشاريع العملاقة والتملك، أدركت أدير أن السوق بحاجة إلى من يفهم "العمليات العقارية" اليومية، لا مجرد البيع والشراء.
من شركة محدودة برأس مال 30 ألف إلى مساهمة مقفلة بقيمة 50 مليون:
في عام 2012، تأسست شركة أدير للخدمات العقارية في مدينة الخبر برأس مال بسيط لا يتجاوز 30,000 ريال سعودي. كانت بداياتها كشركة ذات مسؤولية محدودة، تعمل ضمن نطاق ضيق في إدارة العقارات والخدمات المرتبطة بها. لكن مع مرور الوقت، بدأت تتشكل رؤيتها الاستراتيجية القائمة على تقديم خدمات عقارية متكاملة: من التسويق، إلى الإدارة، ثم المزادات والتشغيل.
بين عامي 2013 و2021، تنقّلت الشركة بين شركاء استثماريين جدد، وتمت إعادة هيكلة الملكية عدة مرات، إلى أن تحوّلت رسميًا في 2021 إلى شركة مساهمة سعودية مقفلة، برأس مال 50 مليون ريال سعودي مقسم إلى 5 ملايين سهم. كان هذا التحول نقطة انطلاق جديدة، فتحت أمام الشركة أبوابًا نحو السوق المؤسسي والطرح في السوق الموازي.
الرهان على التخصص والتكامل:
ما يميز أدير العقارية ليس فقط توسعها، بل الاستراتيجية التي تبنتها في التركيز على مجالات محددة داخل القطاع العقاري:
- إدارة الأملاك والمرافق:
اختارت الشركة أن تتخصص في تقديم خدمات دقيقة وشاملة لملاك العقارات، عبر أنظمة تشغيل، صيانة، متابعة إيرادات، وتحقيق نسب إشغال عالية.
- المزادات العقارية وبيع الأصول:
بينما اعتمدت بعض الشركات على البيع التقليدي، أدير استخدمت المزادات كأداة فعالة لتصفية وبيع العقارات، مدعومة بمنصات رقمية وسجل ناجح في هذا المجال.
- الوساطة والتسويق:
أدير لم تغفل أهمية التسويق العقاري، لكنها قدمته كجزء من منظومة متكاملة، وليس كخدمة مستقلة، مما عزز من ولاء العملاء ومدة العلاقة معهم.
كل هذه المسارات صُممت لتخدم نموذج عمل قائم على الخدمة المستدامة والتعاقد طويل الأجل، وليس فقط المعاملات قصيرة المدى.
كيف نجت أدير من تقلبات السوق؟:
في بيئة تتعرض لتقلبات دورية، من ركود في بعض المدن إلى تغيرات تنظيمية حكومية، أظهرت أدير مرونة ملفتة. لم يكن لديها التزامات ضخمة في مشاريع تطويرية تحتاج إلى تمويل طويل الأجل، بل ركزت على عقود إدارة وتشغيل قابلة للتجديد والمرونة.
كما أن اعتمادها على مصادر إيرادات متنوعة – مثل رسوم إدارة الأملاك، العمولات من عمليات البيع، ونسب من الإيجارات – جعلها أقل تعرضًا لتقلبات أسعار العقارات مقارنة بالمنافسين.
من أموال الشركاء إلى اكتتاب مؤسسي:
رغم أن النشرة لم تفصح عن أرقام تفصيلية للإيرادات والأرباح، فإن هيكلة التمويل تكشف عن نهج مدروس في تعزيز الملاءة المالية. فقد تم تمويل زيادة رأس المال من الأرباح المبقاة (25.6 مليون ريال) ومن حساب الشركاء (24.4 مليون ريال)، قبل طرح 20% من الشركة للاكتتاب بسعر 85 ريال للسهم، وهو ما يعكس ثقة الملاك في استدامة النمو وربحية النموذج.
وهذا يضع أدير ضمن النماذج القليلة التي انتقلت من تمويل ذاتي إلى جذب المستثمر المؤسسي دون المرور بمراحل استدانة كبيرة.
اللعب في مساحة خالية:
في سوق تهيمن عليه أسماء كبيرة مثل "ريت العقارية"، "دار الأركان"، و"إيوان"، اختارت أدير عدم منافستهم في التطوير العقاري، بل خلقت لنفسها مسارًا مختلفًا:
- المنافسون يركزون على المشاريع الضخمة والتملك.
- أدير تركز على الخدمات التشغيلية، العلاقة مع العملاء، وإدارة العقارات بعد البيع.
هذا الاختلاف مكّنها من تجنب المنافسة المباشرة، وفي نفس الوقت أصبحت شريكًا محتملًا لكبار المطورين الذين يحتاجون لمن يدير ممتلكاتهم بعد التشييد.
الرقمنة والتمركز في السوق الموازي:
تستعد الشركة حاليًا لإدراج أسهمها في السوق الموازي "نمو"، مما يفتح أمامها آفاقًا جديدة للتمويل والتوسع. ومع تصاعد أهمية الرقمنة في قطاع العقار، يتضح أن أدير تملك الإمكانات الأساسية لدخول هذا المضمار، خصوصًا مع:
- تخصصها في المزادات الرقمية.
- توجه السوق نحو إدارة الأملاك الذكية.
- قدرتها على بناء علاقات طويلة الأمد عبر عقود تشغيل وليس فقط معاملات بيع.
وبحسب تحليل السوق، فإن الطلب يتزايد على إدارة العقارات المتوسطة والصغيرة، وهو المجال الذي تركز عليه الشركة بخدماتها المتكاملة.
ما الذي يجعل أدير نموذجًا مختلفًا؟:
ليست كل القصص العقارية تبدأ بمشروع سكني ضخم أو أبراج شاهقة. أحيانًا تبدأ برؤية دقيقة لسوق غير مخدوم. هذه هي قصة أدير: شركة بدأت من مدينة الخبر، برأسمال متواضع، قررت أن تخدم "ما بعد البيع"، ونجحت في بناء نموذج مستدام يتقاطع مع التحولات الاجتماعية (كالاتجاه للإيجار) والتنظيمية (كالتحديثات الحكومية)، والآن تفتح بابها أمام المستثمرين المؤهلين للمشاركة في رحلتها القادمة.
في عصر يبحث فيه المستثمرون عن شركات "تدير الواقع" لا تبيعه فقط، تبرز أدير العقارية كواحدة من أكثر النماذج إثارة للاهتمام في السوق السعودي.