رؤوم التجارية: من منشأة فردية إلى ريادة الزجاج في الخليج

6 يوليو 2025
مدونة مكنة
رؤوم التجارية: من منشأة فردية إلى ريادة الزجاج في الخليج

تحرير: مدونة مكنة




شركة تنمو على إيقاع الاقتصاد السعودي:

بينما يشهد الاقتصاد السعودي تسارعًا في التحول الصناعي ضمن رؤية 2030، تبرز شركات محلية استطاعت أن تتماهى مع هذا الزخم وتتحول من كيانات فردية إلى صروح صناعية راسخة. شركة "رؤوم التجارية" تمثل واحدة من أنجح النماذج؛ شركة سعودية بدأت من بريدة برأسمال لا يتجاوز 93 ألف ريال، واليوم تستهدف ريادة قطاع الزجاج عالي التقنية في الشرق الأوسط، بإيرادات تجاوزت 135 مليون ريال، وأرباح صافية نمت بنسبة 52% في عام واحد فقط.

لكن هذه القصة ليست فقط عن الأرقام، بل عن كيف استطاعت "رؤوم" بناء نموذج أعمال متكامل، وتجاوز تحديات السوق، وتوسيع أنشطتها بمرونة استراتيجية تستحق التوقف والتحليل.



بدايات متواضعة ورؤية طموحة:

تأسست "رؤوم" في أغسطس 1992 كمؤسسة فردية، وبدأت عملها من خلال تلبية احتياجات محلية لمواد الزجاج والمرايا، في وقت كان فيه قطاع البناء يشهد نموًا متسارعًا. ظلت الشركة تعمل بصيغة فردية حتى عام 2014، حين تحولت إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، وواصلت النمو حتى أصبحت شركة مساهمة مقفلة، ثم مدرجة في السوق الموازية "نمو" بحلول 2022.

هذا التطور القانوني لم يكن شكليًا، بل عكس تحولًا جذريًا في فلسفة الشركة، من كيان عائلي إلى مؤسسة صناعية طموحة تتبع نهجًا مؤسسيًا محكمًا في الإدارة، والاستثمار، والحوكمة.



توسع هادف وهيكلة مالية دقيقة:

أحد أبرز معالم استراتيجية "رؤوم" هو نموها التراكمي دون الاستعانة بالقروض. جميع مراحل توسعها الرأسمالي – من الزيادة إلى 115 مليون ريال ثم التخفيض إلى 50 مليون – تمت من خلال الأرباح المبقاة وإعادة هيكلة الملكية. هذا الانضباط المالي مكّنها من البقاء في موقع قوي، دون ضغوط ديون، مما يمنحها مرونة كبيرة في التعامل مع متغيرات السوق.

في 2024، رفعت رأس مالها إلى 62.5 مليون ريال لتوسيع الأنشطة، استعدادًا لمرحلة جديدة تشمل تطوير منتجات متقدمة مثل الزجاج المجلتن المقاوم للرصاص، وهو منتج عالي التقنية يستهدف قطاعات حساسة مثل الأمن والبنية التحتية المتقدمة.



نموذج أعمال متكامل وتنوع استراتيجي في المنتجات:

تتميز "رؤوم" بكونها شركة تصنيع وتوزيع في آن معًا، حيث تدير مصنعًا في بريدة بمساحة تتجاوز 26 ألف متر مربع، وتستخدم تقنيات متقدمة ونسب تشغيل تصل إلى 77%. تعمل من خلال 8 فروع تغطي مناطق استراتيجية، وتقدم مجموعة منتجات تشمل الزجاج المقسى والمزدوج والمقوس والمزخرف، إلى جانب المرايا والبلاستيك الصناعي.

وتستحوذ مبيعات الزجاج على 68–79% من الإيرادات، في حين تعمل مبيعات البلاستيك كمحرك ثانٍ للنمو. كما تقدم الشركة شروط دفع صارمة (تحصيل 50% مقدمًا)، ما يعزز التدفقات النقدية ويقلل من مخاطر التحصيل.



موقع تنافسي قوي رغم تحديات السوق

رغم المنافسة السعرية من شركات محلية ودولية، تتمتع "رؤوم" بميزات تنافسية واضحة:

  • مصنع آلي بإنتاجية عالية.
  • تركيبة منتجات متنوعة تشمل حلول زجاجية وبلاستيكية.
  • قوة في التوزيع من خلال شبكة فروع استراتيجية.
  • قاعدة عملاء تشمل المقاولين والمطورين والتجار.

لكنها تواجه تحديات فعلية مثل الاعتماد على 5 موردين رئيسيين، وقضايا زكوية معلقة، وبعض الثغرات في البنية التقنية (مثل نظام الـERP). ورغم تصنيف "نطاقات" الأخضر المنخفض لمصنعها، إلا أنها تُظهر وعيًا بهذه التحديات وتسعى لمعالجتها ضمن خططها المؤسسية.



من الزجاج التقليدي إلى الذكي والمقاوم:

تستعد "رؤوم" لمرحلة توسع جديدة تستند إلى:

  • التوسع الجغرافي في الخليج.
  • إطلاق منتجات عالية التقنية مثل الزجاج المقاوم للرصاص
  • زيادة القدرة الإنتاجية للبلاستيك.
  • تطوير البنية الإدارية والرقمية، وتحديث أنظمة الحوكمة.

الرؤية التي تتبناها الشركة هي أن تكون "الريادة في الزجاج بالشرق الأوسط بمعايير عالمية"، وهي رؤية مدعومة بأداء مالي متين، وبنية تحتية صناعية متقدمة، واستراتيجية محافظة لكنها طموحة.



نموذج نمو نادر وسط الشركات العائلية:

تُظهر قصة "رؤوم التجارية" أن النمو العضوي، والانضباط المالي، والتوسع المرحلي يمكن أن يصنعوا كيانًا صناعيًا مستقرًا وواعدًا، حتى دون رأس مال ضخم أو تمويل مصرفي. نموذجها يقدم دروسًا في الإدارة المالية، وبناء القيمة السوقية من خلال الكفاءة التشغيلية، والقدرة على اقتناص فرص السوق دون التفريط في الهوية المؤسسية.

ومع انتقالها إلى السوق الرئيسية مستقبلًا، تبدو "رؤوم" مؤهلة لتكون أحد الأسماء الصناعية المؤثرة في المشهد الاقتصادي السعودي القادم.