تحرير: مدونة مكنة
مقدمة: التعليم كمحرك استثماري:
في بيئة اقتصادية متغيرة، يغدو التعليم الخاص أحد أعمدة التحول الاستراتيجي في السعودية، مدفوعًا بإصلاحات رؤية 2030. وسط هذا السياق، تبرز "دوم العالمية للاستثمار" كلاعب محلي يسعى لخلق تجربة تعليمية نوعية، ومشروع استثماري طويل الأجل. بدأت دوم من مؤسسة فردية بسيطة وتحولت خلال عقد إلى شركة مساهمة تقف اليوم على أعتاب السوق الموازية. هذه ليست مجرد رحلة قانونية، بل تحوّل بنيوي يعكس نضجًا مؤسسيًا واستعدادًا لنمو مستدام.
النشأة والتحول المؤسسي:
تأسست الشركة في فبراير 2015 بمدينة الرياض باسم "مؤسسة خالد عبد العزيز التركي للمقاولات"، قبل أن تُعيد تعريف نفسها كليًا من خلال تأسيس فرع تعليمي يحمل اسم "مدارس بداية العالمية". هذا الفرع، الذي نشأ قبل تحول الشركة إلى كيان تعليمي، يعكس رؤية مبكرة للتوجه نحو التعليم بدلًا من المقاولات.
في مارس 2015، تم تحويل الكيان إلى شركة ذات مسؤولية محدودة، تركز نشاطها على التعليم، مع رأس مال بسيط قدره 125 ألف ريال. خلال ثلاث سنوات، شهدت الشركة تطورات متسارعة: رفع رأس المال، وتعديل الاسم إلى "دوم العالمية للاستثمار"، ثم التحول في ديسمبر 2019 إلى شركة مساهمة مقفلة برأس مال 700 ألف ريال.
لكن الخطوة الحاسمة جاءت في 2022، عندما رفعت الشركة رأس مالها إلى 50 مليون ريال من خلال تحويل الأرباح المحتجزة، ثم إلى 58.5 مليون ريال في 2024 عبر إصدار 850 ألف سهم استعدادًا للطرح في السوق الموازية "نمو".
الاستراتيجية: تعليم عالي الجودة بمواصفات عالمية:
ترتكز رؤية دوم على تقديم تعليم نوعي يعتمد مناهج أمريكية وبريطانية معترف بها عالميًا، وتطوير مجمعات تعليمية متكاملة داخل السعودية. من بين المزايا التنافسية التي تُميز الشركة:
- حصولها على اعتمادات دولية مرموقة مثل: Cognia، AIAA، Cambridge، Edexcel، CIS.
- تجربة ناجحة في تشغيل المدارس تحت العلامة التجارية "مدارس بداية العالمية".
- تركيزها على التعليم الخاص ضمن إطار تنظيمي من وزارة التعليم.
وتهدف الشركة لاستخدام متحصلات الطرح لتمويل مشاريع توسعية تعليمية جديدة في المملكة.
لكن تجدر الإشارة إلى غياب واضح لمبادرات رقمية أو بيئية معلنة، وهو ما قد يحدّ من قدرتها على اجتذاب المستثمرين الذين يفضلون الشركات التي تراعي معايير الاستدامة ESG.
نموذج عمل لتعليم مباشر ومستقر ولكن محدود:
تعتمد دوم على نموذج عمل مباشر (B2C) يركز على العائلات السعودية وغير السعودية. تقدم خدمات تعليمية من الروضة حتى الثانوية، عبر برامج أمريكية وبريطانية. معظم الإيرادات (أكثر من 88%) تأتي من الرسوم الدراسية، فيما تمثل خدمات النقل والأنشطة اللاصفية وعقود التشغيل واختبارات السات إيرادات مكملة.
يتركز النشاط حاليًا في مدينة الرياض فقط، ما يجعل الانتشار الجغرافي محدودًا ويعتمد على أداء سوق واحد. كما أن العلاقة مع العملاء تعتمد على القنوات التقليدية، دون تطبيقات إلكترونية أو برامج ولاء، وهو ما قد يمثل فرصة غير مستغلة في التحول الرقمي.
أداء مالي لنمو مستقر وتحفظ في التوسع
بلغت الإيرادات حتى أكتوبر 2024 نحو 21.2 مليون ريال سعودي، منها 18.8 مليون ريال من الرسوم الدراسية وحدها. الشركة حققت هذا النمو دون الاعتماد على الديون، بل عبر استثمار الأرباح المحتجزة وزيادات رأس المال من الشركاء.
لكن التحليل يكشف نقطة ضعف مهمة: الاعتماد الكبير على الطلاب غير السعوديين، الذين يمثلون 75.8% من إجمالي الطلاب. هذه الشريحة تراجعت بنسبة 8% بين 2022 و2024، ما يعرض الشركة لمخاطر السياسات الحكومية المرتبطة بسوق العمل والعمالة الوافدة.
التحديات والمخاطر
رغم قوة النموذج التعليمي، تواجه دوم عدة تحديات واضحة، أبرزها:
🧭 المخاطر الاستراتيجية:
- تأخر تنفيذ خطط التوسع الجغرافي.
- الاعتماد الزائد على غير السعوديين.
- المنافسة الشرسة من مدارس كبرى داخل الرياض.
⚙️ المخاطر التشغيلية:
- اعتمادها الكبير على كوادر أجنبية.
- قلة تنوع الإيرادات.
- احتمالية تأخر تجديد التراخيص.
💰 المخاطر المالية:
- مخاطر السيولة في حال انخفاض الإشغال.
- التقلبات المحتملة في التكاليف والضرائب.
♻️ المخاطر التنظيمية:
- تغير السياسات الحكومية تجاه التعليم الخاص.
- متطلبات متزايدة في الصحة والسلامة قد تؤثر على التكاليف.
البيئة التنافسية والفرص
على الرغم من التحديات، فإن السوق يوفر فرصًا واضحة:
- ارتفاع الطلب على التعليم العالمي.
- توجه العائلات السعودية نحو المناهج المعتمدة دوليًا.
- احتمالية التوسع في مدن أخرى.
- إمكانية تقديم خدمات تعليم رقمي وتوسيع الدخل غير التشغيلي.
لكن دوم لم تفعل بعد أدوات الشراكات التعليمية الدولية، ولا تقدم خدمات تعليم رقمي أو تقني، ما يجعلها عرضة لفقدان فرص توسع مستقبلية إن لم تُعالج هذه الفجوات سريعًا.
نقلة استراتيجية في التوجه إلى السوق الموازية:
في مايو 2025، تبدأ دوم عملية الطرح في السوق الموازية ببيع 14.53% من أسهمها. الطرح لا يستهدف تخارج الملاك، بل يهدف لتمويل خطة التوسع. كما تم تحديد فترة الحظر للمساهمين الحاليين بـ 12 شهرًا، ما يدل على التزام طويل الأجل من الملاك المؤسسين تجاه مستقبل الشركة.
الطرح يُفتح فقط للمستثمرين المؤهلين، بما يعزز جودة المساهمين ويقلل من تذبذب السيولة السوقية.
هل دوم مستعدة للمرحلة القادمة؟
تبدو دوم في وضع جيد من حيث الجاهزية المؤسسية، والعلامة التعليمية، وملاءة النموذج المالي. ومع ذلك، فإن قدرتها على ترسيخ نفسها كقوة تعليمية مؤثرة في السعودية ستعتمد على:
- تنويع قاعدة طلابها.
- التوسع الجغرافي خارج الرياض.
- تحسين كفاءتها التشغيلية.
- تطوير مسارات رقمية مستدامة.
- والالتفات إلى معايير الاستدامة البيئية والحوكمة.
دوم ليست مجرد مشروع تعليمي، بل مشروع استثماري قابل للنمو إذا ما وازن بين الطموح والانضباط المؤسسي. الطرح في السوق ليس نهاية القصة، بل بدايتها الحقيقية.