تحرير: مدونة مكنة
في مشهد اقتصادي متغير يتّجه نحو الخصخصة والتنويع، تبرز قصص الشركات السعودية التي نجحت في التحوّل من مشاريع فردية إلى كيانات صناعية متكاملة. ومن بين هذه النماذج المُلهمة، تبرز قصة شركة دخون الوطنية للتجارة، التي بدأت كمؤسسة فردية متخصصة في العطور والبخور، وانتهت اليوم شركة مساهمة تُطرح أسهمها في السوق الموازية "نمو". هذه الرحلة لم تكن مجرد توسع في الحجم، بل كانت إعادة صياغة للرؤية، والهوية، وطريقة العمل.
من متجر إلى مؤسسة: البدايات المتواضعة (2010)
تأسست شركة دخون الوطنية للتجارة في عام 2010 كمؤسسة فردية يملكها السيد إبراهيم منصور محمد الراجحي برأس مال متواضع قدره 25 ألف ريال سعودي. وكان النشاط الرئيسي يتركز على تجارة العطور والبخور، في وقت كانت فيه السوق المحلية مشبعة بالمنافسة وغير منظمة. لكن ما ميز دخون منذ بداياتها هو تركيزها على الهوية السعودية الأصيلة، عبر دمج تقاليد العطور العربية بالتصنيع المحلي.
التحوّل الاستراتيجي: من مؤسسة فردية إلى كيان صناعي (2012–2021)
في عام 2012، خطا المؤسس خطوة جريئة بتحويل المؤسسة إلى شركة ذات مسؤولية محدودة بالشراكة مع فارس منصور محمد الراجحي، وهو قرار شكّل نقطة تحول استراتيجية. لم يكن الأمر مجرد شراكة قانونية، بل كان بداية لتحول شامل في نموذج العمل؛ من تجارة فردية إلى تصنيع متكامل.
تم تقييم صافي أصول المؤسسة بمبلغ 500,000 ريال سعودي، وأعيد تنظيم الملكية إلى 5,000 حصة نقدية، وزّعت بين الشريكين. لاحقًا، في 2016، تنازل إبراهيم الراجحي عن جزء من حصصه لشريكه فارس، ما أدى إلى إعادة توازن ملكية واضحة في الاتجاه التصنيعي والاستثماري.
لكن أبرز تحول استراتيجي حدث في 2021، عندما قرر الشركاء تحويل الشركة إلى شركة مساهمة مقفلة وزيادة رأس المال إلى 20 مليون ريال سعودي، أي بزيادة 19.5 مليون ريال سعودي تم تحويلها من الأرباح المبقاة، في خطوة تؤكد التوجه طويل الأجل نحو النمو المؤسسي.
إدارة الأزمات وبناء المرونة المؤسسية
مرّت الشركة بعدة تحديات طبيعية في مسيرتها، مثل محدودية رأس المال، والتوسع تحت منافسة محلية شرسة. ولكن التحول إلى شركة مساهمة لم يكن مجرد مظهر قانوني، بل أداة لبناء مرونة مؤسسية تسمح لها بالتوسع في الأسواق، وجذب المواهب، وتوطين سلاسل الإمداد.
أحد مظاهر هذه المرونة تمثل في تأسيس شركة نفائس دخون للعطور في عام 2023، وهي ذراع تصنيعي متكامل يمارس نشاطه في المدينة الصناعية الثانية بالرياض. هذه الخطوة مكنت الشركة من التحكم الكامل في سلسلة القيمة، من التصنيع إلى التوزيع، ما يضمن جودة المنتجات ومرونة الإنتاج.
نموذج الأعمال وتوسيع الإيرادات
تمتد أنشطة الشركة لتشمل:
- تصنيع العطور، دهن العود، البخور، ومستحضرات التجميل.
- إدارة وتأجير العقارات، وتجارة الجملة والتجزئة للعطور والمنتجات المنزلية.
- إنشاء وتشغيل مصنع مملوك بالكامل لتصنيع منتجاتها، مما يمنحها استقلالية تشغيلية كاملة.
ويمثل نموذج الأعمال مزيجًا بين الإنتاج والتوزيع، مع قدرة واضحة على التحكم في سلسلة القيمة. وقد أدى هذا التكامل إلى تعزيز الأرباح وترسيخ هوية تجارية قوية.
الأداء المالي والتقييم السوقي
حتى تاريخ نشرة الإصدار، بلغت القيمة الاسمية للسهم الواحد 10 ريالات سعودية، ويبلغ رأس مال الشركة 20 مليون ريال سعودي موزعة على 2 مليون سهم عادي. ويتم طرح 400,000 سهم (20%) من إجمالي رأس المال للاكتتاب في السوق الموازية "نمو".
والجدير بالذكر أن كامل متحصلات الطرح، والتي تبلغ 4 ملايين ريال سعودي، ستُوزع على المساهمين البائعين (إبراهيم وفارس الراجحي)، ولن تحصل الشركة على أي مبلغ من الطرح، مما يعكس أن هذا الطرح يهدف لتعزيز السيولة والملاءة لا لتمويل احتياجات تشغيلية.
التموضع التنافسي في قطاع العطور السعودي
تعمل دخون في سوق تنافسي عالي الكثافة، لكن ما يميزها هو:
- ملكية مصنع مرخص ومعتمد بالكامل.
- دمج التصنيع مع التوزيع تحت علامة تجارية واحدة.
- سجل مالي منضبط ومتوافق مع معايير المحاسبة السعودية والدولية.
كما أن الشركة تملك شركة تابعة مرخصة (نفائس دخون)، ما يتيح لها التوسع في خطوط إنتاج جديدة دون التأثير على الكيان الأساسي، وهي ميزة تنافسية نادرة في السوق السعودي للعطور.
الرؤية المستقبلية: نمو رقمي وتوسع محلي
تشير بيانات النشرة إلى توجه الشركة نحو التوسع في التصنيع والتوزيع المحلي، بالإضافة إلى بناء حضور رقمي أوسع عبر المنصات الإلكترونية. كما أنها تخطط لتعزيز خطط الامتياز التجاري (الفرنشايز) لعلاماتها، ما قد يفتح بابًا كبيرًا للنمو دون تحمل عبء التكاليف التشغيلية المباشرة.
الخطوة التالية قد تكون التوسع الجغرافي الإقليمي، خاصة في دول الخليج، حيث تحظى العطور والبخور السعودية بمكانة راسخة.
الختام: قصة ريادة سعودية بامتياز
قصة دخون ليست مجرد انتقال من مؤسسة فردية إلى شركة مساهمة. إنها رحلة استثنائية من التأسيس اليدوي إلى التصنيع المؤسسي، ومن البدايات المتواضعة إلى الطرح العام. تكمن قوة الشركة في تبنيها للتكامل الرأسي، ووضوح رؤيتها، وجرأة مؤسسيها في اتخاذ قرارات مصيرية أعادت رسم مصيرها.
وسط التحولات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها الاقتصاد السعودي، تُمثل دخون نموذجًا ملهمًا لكيف يمكن للهوية المحلية أن تكون أساسًا لصناعة حديثة، تُصمم محليًا وتنافس عالميًا.