طيران ناس: من شركة ناشئة إلى قصة ريادة سعودية في الطيران الاقتصادي

23 مايو 2025
مدونة مكنة
طيران ناس: من شركة ناشئة إلى قصة ريادة سعودية في الطيران الاقتصادي

تحرير: مدونة مكنة



عندما يصبح الطيران رافعة اقتصادية لرؤية 2030:

في المملكة العربية السعودية، لم يعد قطاع الطيران مجرد وسيلة تنقل، بل أصبح منصة استراتيجية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، خصوصًا في مجالات السياحة، والاستثمار، والتكامل اللوجستي. ومن بين شركات هذا القطاع، تبرز "طيران ناس" كنموذج محلي صاعد يشكل معادلة فريدة من الكفاءة التشغيلية، التوسع المدروس، والربحية المتنامية في سوق يعتبر من بين الأكثر تحديًا على مستوى المنطقة.



من فكرة ريادية إلى كيان مساهم:

تأسست طيران ناس في 7 أغسطس 2010 كشركة ذات مسؤولية محدودة، برأسمال ابتدائي قدره 300,000 ريال سعودي. واستمرت على هذا النحو حتى 28 فبراير 2017، حين تحولت إلى شركة مساهمة مغلقة بموجب قرار رسمي من وزارة التجارة، ما مهد الطريق نحو هيكلة مؤسسية أكثر نضجًا ومرونة للتمويل والتوسع.

مع مرور الوقت، شهد رأس مال الشركة قفزات نوعية، حيث من المقرر أن يرتفع إلى 1.534 مليار ريال سعودي، ثم إلى 1.708 مليار ريال بعد الطرح الأولي الذي ستطلقه الشركة في يونيو 2025. وقد جاء هذا الطرح ليغطي 30% من رأس المال الجديد، في خطوة نوعية تعكس ثقة المستثمرين في جدوى نموذج طيران ناس وتوجهاتها المستقبلية.



التوسع الذكي بدلًا من التوسع الشكلي:

منذ البداية، حددت طيران ناس لنفسها رؤية واضحة: أن تصبح شركة الطيران الاقتصادي الرائدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للرحلات القصيرة والمتوسطة. وقد دعمت هذه الرؤية برسالة ميدانية تركز على تقديم تجربة سفر سهلة، مرنة، وميسورة التكلفة، عبر أسطول حديث وخدمات ذكية مصممة خصيصًا لتلبية تطلعات شرائح متنوعة من المسافرين.

اعتمدت الشركة على استراتيجية المحيط الأزرق لدخول أسواق ذات منافسة منخفضة، كما عززت نموها بتحالفات استراتيجية مع شركات عملاقة مثل "طيران الإمارات"، "مصر للطيران"، و"الاتحاد للطيران"، ما مكّنها من توفير الوصول إلى 126 وجهة إضافية دون الحاجة لزيادة عدد الطائرات.



مركز تحكم رقمي يدير الكفاءة باللحظة:

يشكل مركز التحكم التشغيلي في الرياض (OCC) القلب النابض للشركة، حيث يُدار من خلاله أكثر من 72 وجهة حول العالم. يعتمد المركز على تقنيات تحليل البيانات في الزمن الفعلي لتحسين الأداء، والتعامل مع الأحداث غير المتوقعة، وتحقيق مستوى عالٍ من الالتزام بالمواعيد، وصل إلى 88% في عام 2024.

وفي ظل سعيها للرقمنة الشاملة، تعتمد الشركة على أنظمة Oracle وNavitaire وAIMS، كما استثمرت في تطوير نظام تسعير ديناميكي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يعزز من هوامش الربح ويزيد من تنافسيتها.



الربحية والتوسع، عندما تتكلم الأرقام:

شهدت طيران ناس نموًا ماليًا لافتًا خلال السنوات الأربع الماضية. ففي عام 2021 بلغت إيراداتها 2.67 مليار ريال سعودي، لتقفز في عام 2022 إلى 4.8 مليار، ثم إلى 6.36 مليار في عام 2023، وتصل إلى 5.89 مليار في أول تسعة أشهر من عام 2024 فقط. هذه الأرقام تترجم إلى نمو سنوي بمعدلات تجاوزت 70% في بعض السنوات.

على صعيد الربحية، حققت الشركة في 2021 صافي ربح بلغ 19.9 مليون ريال فقط، لكنه ارتفع في 2022 إلى 171.8 مليون، ثم إلى 433.5 مليون في 2023، وأخيرًا إلى 492.6 مليون ريال خلال تسعة أشهر فقط من عام 2024. نسبة صافي الربح من الإيرادات ارتفعت من 0.7% إلى أكثر من 8%، ما يدل على تطور نوعي في الكفاءة المالية للشركة.

وفي السياق ذاته، تجاوزت أرباح التشغيل قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك (EBITDA) حاجز 1.77 مليار ريال خلال نفس الفترة، ما يعكس قوة النموذج التشغيلي والتكلفة المنخفضة لهيكل العمليات.



نموذج عمل مرن في بيئة ديناميكية:

يعتمد نموذج طيران ناس على تقديم خدمات طيران منخفض التكلفة بأسعار تنافسية، مع إتاحة باقات مخصصة تشمل خدمات إضافية مثل اختيار المقاعد، شراء الأمتعة، الوجبات، وخيارات الترقية. وتخاطب الشركة شرائح متعددة من المسافرين، بدءًا من الحجاج والمعتمرين، وصولًا إلى المسافرين للأعمال، والوافدين المقيمين في المملكة.

تأتي مصادر إيرادات الشركة بشكل رئيسي من الطيران الاقتصادي المجدول، بالإضافة إلى خطوط الحج والعمرة، وخدمات الطيران المستأجر. وقد سجلت الرحلات الدولية في 2024 ما نسبته 61.4% من الإيرادات، مقابل 38% للرحلات المحلية.



الهيكل المؤسسي والمساهمون الرئيسيون:

بعد عملية الطرح، سيصبح من أبرز المساهمين في الشركة:

  • الشركة الوطنية لخدمات الطيران (ناس القابضة).
  • شركة المملكة القابضة.
  • رجل الأعمال ناصر إبراهيم الرشيد.
  • شركة الموارد للاستثمار.

ويمثل هؤلاء مجتمعين أكثر من 60% من ملكية الشركة، ويُعدّون من الداعمين الاستراتيجيين لرؤية طيران ناس طويلة الأجل.



التحديات والمخاطر،ما وراء السحاب:

رغم النجاحات، تواجه الشركة تحديات ملحوظة، أبرزها:

  • تقلب أسعار الوقود، حيث يشكل الوقود نحو 30% من التكاليف التشغيلية.
  • المنافسة الشديدة المتوقعة، خاصة من "طيران أديل" و"طيران الرياض".
  • الضغط على البنية التحتية للمطارات، خاصة في المواسم العالية.
  • تقلبات أسعار الصرف، لا سيما مع التزامات بالدولار واليورو.

وقد عمدت طيران ناس إلى تبني خطط استمرارية أعمال صارمة، وتعزيز تنويع الإيرادات، وتطبيق نموذج حوكمة مرن للحد من أثر هذه المخاطر.



الاستدامة، ريادة بيئية ومجتمعية:

تُعد طيران ناس من أوائل شركات الطيران الاقتصادي في المنطقة التي تبنّت مبادرات استدامة ملموسة، منها:

  • تحديث الأسطول لتقليل الانبعاثات بنسبة 10%.
  • توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سرك" لإعادة التدوير.
  • المشاركة في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة ومنظمة السياحة العالمية.
  • دعم مبادرات اجتماعية مثل مساندة الأطفال ذوي الإعاقة.



مستقبل مرن يقوده الابتكار:

تتطلع طيران ناس إلى رفع عدد طائراتها إلى 195 بحلول 2030، مع التوسع في أسواق الحج والعمرة واستهداف 30 مليون معتمر سنويًا. كما تعمل على تعزيز عمليات الشحن الجوي، وتقليص الاعتماد على وسطاء التذاكر من خلال زيادة الحجز المباشر عبر قنواتها الرقمية.

وبدعم البيانات والتحليلات، تسعى الشركة لتصبح أول شركة طيران رقمية بالكامل في المملكة، ترتكز في جميع عملياتها على نظم ذكاء اصطناعي متكاملة.



مرونة استراتيجية في سماء تنافسية:

طيران ناس ليست فقط قصة نمو مالي أو توسع جغرافي، بل هي نموذج سعودي لريادة مبنية على الواقعية التشغيلية، والتحول الذكي، والحوكمة الفعالة. لقد أثبتت أن التميز في قطاع تنافسي لا يعتمد فقط على رأس المال أو الدعم الحكومي، بل على الرؤية الاستراتيجية، والقيادة الفعالة، والالتزام الثابت بالتحسين المستمر.

هي قصة تلهم كل من يعتقد أن الابتكار في نماذج الأعمال يمكنه إعادة تعريف الصناعات التقليدية.