سواتش (Swatch): من مشروع إنقاذ إلى ساعة لا تعرف التوقف

24 أبريل 2025
مدونة مكنة
سواتش (Swatch): من مشروع إنقاذ إلى ساعة لا تعرف التوقف

تحرير: مدونة مكنة




في زمن تكتسح فيه التكنولوجيا كل الصناعات، وتموج الأسواق بتقلبات الجيوسياسية والتضخم، تقف مجموعة Swatch كاستثناء نادر. ليست مجرد شركة تصنع الساعات، بل قصة متجذرة في الصناعة السويسرية، وقائمة على فلسفة تقول: "يمكننا أن نبتكر دون أن نفقد هويتنا."



المشهد الأول: الأزمة والولادة (1930–1983)

تبدأ القصة من ثلاثينيات القرن الماضي، حين تأسست شركتان من أعمدة الصناعة السويسرية:

  • SSIH (1930): مالكة لعلامات مثل Omega وTissot وHamilton.
  • ASUAG (1931): أكبر مصنع لحركات الساعات، يضم Longines وRado وCertina وMido.

لكن بحلول أواخر السبعينات، عصفت الأزمة بصناعة الساعات. كان ذلك بسبب اجتياح الساعات اليابانية، الأرخص والأكثر دقة بفضل تقنية الكوارتز. كانت الصناعة السويسرية على حافة الانهيار.

في هذا الظرف الحرج، ظهر نيكولا ج. حايك (1928–2010)، المستشار الصناعي الذي صاغ خطة غير تقليدية: دمج الشركتين لتأسيس كيان جديد، هو SMH، الذي صار لاحقًا Swatch Group.



1983: ساعة واحدة تقلب الطاولة

في ذات العام، أُطلقت ساعة Swatch، بحركة سويسرية، مكونة من 51 قطعة فقط، تُجمع بالكامل عبر خطوط آلية، وتُباع بسعر لا يتجاوز 45 دولارًا. لم تكن مجرد ساعة، بل فكرة: يمكن للساعة أن تكون "قطعة موضة"، لا مجرد أداة.

النجاح جاء مدويًا، وبحلول منتصف الثمانينات، كانت Swatch تبيع ملايين القطع سنويًا، وتعيد للساعة السويسرية هيبتها.



التوسع الذكي: من علامة إلى مجموعة (1985–2000)

بدأت الشركة رحلة تنويع جريئة، تضمنت:

  • 1985: تأسيس Swatch Ltd.
  • 1987: إطلاق Flik Flak – أول ساعة أطفال تجمع بين التعليم والمرح.
  • 1992: الاستحواذ على Blancpain، وضم Nick Hayek Jr. إلى الإدارة.
  • 1995: انضمام نايلا حايك لمجلس الإدارة.
  • 1998: تغيير الاسم إلى The Swatch Group Ltd.
  • 1999: الاستحواذ على Breguet، واحدة من أقدم وأعرق العلامات الفاخرة.

ثم جاء عام 2000، حيث ضمت المجموعة علامات مثل Glashütte Original وJaquet Droz، وأسست قسم المجوهرات الفاخرة، لتتحول إلى أكبر تكتل ساعات سويسرية متعدد الطبقات.



محفظة متنوعة... واستراتيجية دقيقة

رسمت Swatch خريطة تغطي جميع شرائح السوق، على النحو التالي:

  • فاخرة: Breguet، Blancpain، Harry Winston
  • راقية: Longines، Rado
  • متوسطة: Tissot، Mido، Certina
  • شعبية وشبابية: Swatch، Flik Flak

هكذا استطاعت الشركة استهداف الجميع:

  • من جامعي الساعات الراقية.
  • إلى الباحثين عن الجودة بسعر معقول.
  • إلى الأطفال واليافعين.



نموذج العمل: ساعة ذكية... بروح تراثية

نجحت Swatch في الدمج بين:

  • الابتكار التقني: مثل إطلاق MoonSwatch، SwatchPAY!، وT-Touch.
  • الهوية الجمالية: عبر تصميمات عصرية بتوقيع سويسري.
  • قنوات التوزيع المتكاملة: من المتاجر، إلى المنصات الرقمية، إلى البيع في المطارات.

بلغت مبيعات Tissot في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 100 مليون دولار عام 2024، في دليل على نجاح النموذج الشمولي.



التكامل الرأسي: سر المرونة

تمتلك Swatch سلسلة إنتاج شبه مكتملة ذاتيًا، تشمل:

  • ETA SA: الحركات.
  • Nivarox-FAR: النوابض الدقيقة.
  • Comadur وRubattel & Weyermann: السيراميك وواجهات الساعات.
  • Universo: عقارب الساعات.
  • Swatch Group Assembly: تجميع المنتجات.

هذا التكامل خفّف من تأثير أزمات سلاسل الإمداد العالمية، ومنحها ميزة تشغيلية وتنافسية استثنائية.



2024: الفن والتكنولوجيا... في قلب الأزمة

رغم الركود الاقتصادي، كان عام 2024 عامًا ابتكاريًا بكل المقاييس:

  • MoonSwatch: بيع ملايين الوحدات، بإلهام من الفضاء وبسعر جماهيري.
  • Scuba Fifty Fathoms: تعاون مع Blancpain مستوحى من أعماق البحار.
  • شراكات ثقافية: مع مهرجان لوكارنو السينمائي، ومتحف Tate.
  • Swatch x ESA: شراكة فضائية وتقنية لدعم الدفع الذكي.



استراتيجية مختلفة: الخسارة قرار تكتيكي

بدلاً من تقليص النفقات، اختارت Swatch بقيادة نيك حايك الابن استراتيجية "الثبات الاستثماري"، تضمنت:

  • الحفاظ على كل قدراتها الإنتاجية.
  • استثمار أكثر من 642 مليون دولار في الأصول طويلة الأجل.
  • تسجيل 196 براءة اختراع.
  • الإبقاء على جميع موظفيها وعددهم 32,477.

الرسالة كانت واضحة: نحن نُخطط للـ10 سنوات القادمة، لا للـ10 أشهر.



الموقع السوقي: بين Rolex وApple

تحتفظ Swatch بموقع فريد:

  • تتفوق على Rolex في التغطية السعرية والانتشار الجغرافي.
  • تنافس Apple Watch عبر مزج التصميم بالتقنية.
  • تتفوق على Richemont بفضل التكامل الرأسي وتنوع القنوات.

هي ليست منافسًا مباشرًا لأحد، بل نموذج مستقل في سوق يطلب المزيد.



نحو 2025: بداية جديدة؟

مع تعافي الطلب في الشرق الأوسط والهند، واستعداد المجموعة لإطلاق ساعات هجينة ذكية، تتجه الأنظار إلى:

  • توسعات رقمية.
  • دخول أسواق إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
  • وتعزيز تجربة العميل من خلال الذكاء الاصطناعي والتخصيص.

كما تستعد المجموعة للاحتفال بـ250 عامًا على تأسيس Breguet، مما يعيد ربط المستقبل بالجذور.



خاتمة: ساعة لا تتوقف

من قلب الأزمة وُلدت Swatch، لكنها لم تتوقف عند النجاة. بل أصبحت معيارًا في:

  • التوازن بين الهوية والابتكار.
  • المرونة في الإنتاج والتوزيع.
  • القيادة تحت الضغط.

إنها ليست مجرد ساعة، بل درس في أن تكون مختلفًا... وتبقى كذلك.