شركة الأندية للرياضة: من مراكز الأحياء إلى صانع لنموذج قطاع اللياقة السعودي

2 يوليو 2025
مدونة مكنة
شركة الأندية للرياضة: من مراكز الأحياء إلى صانع لنموذج قطاع اللياقة السعودي

تحرير: مدونة مكنة




في العقد الأخير، شهدت المملكة العربية السعودية تحولًا اقتصاديًا واجتماعيًا عميقًا، صاغته "رؤية السعودية 2030" بوصفها خطة طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وتعزيز جودة الحياة، وخلق مجتمع أكثر صحة وفاعلية. أحد أكثر المؤشرات وضوحًا لهذا التحول يتمثل في قطاع اللياقة البدنية، الذي لم يعد نشاطًا ترفيهيًا، بل أصبح ركيزة ضمن استراتيجية وطنية تسعى إلى رفع نسبة ممارسي الرياضة من 34% إلى 64% من السكان خلال أقل من عقد.

في هذا الإطار، لا تبرز "شركة الأندية للرياضة" كشركة ناجحة فحسب، بل كنموذج مؤسسي أعاد صياغة الطريقة التي تُدار بها صناعة اللياقة في السعودية. فهي لم تنتظر تغير السوق، بل كانت جزءًا من صناعته، عبر تحول استراتيجي شامل شمل البنية القانونية، وهيكلة العلامات التجارية، ونموذج العمل، والأسواق المستهدفة، وسلاسل القيمة، وصولًا إلى أن تصبح ثاني أكبر مشغل للأندية الرياضية في المملكة، بعد شركة "وقت اللياقة" التابعة لشركة لجام.




🏛️ الجذور: بدايات متواضعة وشغف غير محدود

يعود تاريخ الشركة إلى عام 1994، حين أُسست ستة مراكز رياضية منفصلة في مدينة الرياض، كان خمسة منها تعمل تحت اسم "أبطال الجسم"، بينما عمل السادس باسم "الصفوة". كانت تلك المراكز مرخصة من الرئاسة العامة لرعاية الشباب (قبل إنشاء وزارة الرياضة)، وتعمل بأسلوب تقليدي يركز على الأجهزة والخدمة المباشرة دون هوية مؤسسية أو تميز تشغيلي.

لكن الفكرة التي حملها المؤسس محمد عبدالعزيز الحقباني لم تكن مجرد تشغيل مراكز رياضية، بل بناء منصة سعودية متكاملة تقدم أسلوب حياة صحي ضمن تجربة احترافية. وفي عام 2001، قرر الحقباني، مع مجموعة من الشركاء، تحويل تلك المراكز إلى كيان موحد تحت اسم "شركة الأندية للرياضة"، برأسمال ابتدائي قدره 500,000 ريال سعودي فقط، موزعة على 100 حصة عينية.

منذ لحظة التأسيس، كان واضحًا أن الشركة تسعى لتجاوز النمط الفردي إلى منظومة تشغيل محترفة. وقد نُقلت ملكية الأندية الستة إلى الشركة الجديدة، وتم لاحقًا إعادة توزيع الملكية عبر صفقات نقدية مع شركاء جدد. ومن هنا بدأ التحول المؤسسي الحقيقي.




🔄 التمويل والتوسع: الشركاء الاستراتيجيون ورأس المال الذكي

مع توسع الشركة، دخلت شركات استثمارية محلية ضمن الهيكل المؤسسي، أبرزها:

· شركة أموال الخليج، كمستثمر مالي مؤسس.

· شركة الشرق الأوسط للاستثمار المالي (ميفك كابيتال)، التي ساعدت في إعادة هيكلة الملكية.

· شركة إيلاف الخليج، كمستثمر تطويري.

ساعد هذا الدعم المالي على زيادة رأس المال تدريجيًا من 10 ملايين ريال إلى 74 مليون ريال في عام 2008، عبر رسملة الأرباح، ثم إلى 104 ملايين ريال قبل التحول إلى شركة مساهمة. لم يكن المال هدفًا في حد ذاته، بل أداة للتمكين التشغيلي، وتوسيع الفروع، وتطوير المعدات، وجذب الكفاءات، وإرساء معايير جودة موحدة.

وبحلول عام 2023، أصبحت الشركة تدير 56 ناديًا في 17 مدينة سعودية، منتشرة في المنطقة الوسطى والشرقية والغربية، ما أتاح لها الوصول إلى قاعدة عريضة من العملاء، تجاوزت 129,000 مشترك نشط.




🧭 التحول المؤسسي: من التشغيل التقليدي إلى التمركز الاستراتيجي

في عام 2022، أعلنت شركة الأندية للرياضة تحولها إلى شركة مساهمة مقفلة، وهي خطوة لم تكن شكلية، بل نتاج نضج إداري ومالي، واستعداد حقيقي لدخول سوق المال. هذا القرار كان الخطوة الأولى ضمن خطة طرح عام أولي تمت بالفعل في عام 2024، حيث طرحت الشركة 34.32 مليون سهم للاكتتاب العام تمثل 30% من رأس المال بعد زيادته.

لكن في العمق، كان هذا التحول القانوني يعكس تحولًا في طريقة التفكير: من "مركز رياضي" إلى "شركة لياقة متكاملة"، ومن تقديم خدمة إلى بناء منصة، ومن بيع اشتراكات إلى إنشاء تجربة حياة صحية.




🏷️ هندسة العلامات التجارية: الفئات قبل الفروع

ضمن هذا التوجه، أطلقت الشركة استراتيجية تجزئة فئوية، وقامت بإعادة هيكلة العلامات التجارية لتخدم قطاعات متنوعة، وهي كالتالي:

· بودي ماسترز (Body Masters): علامة الأندية الرجالية الراقية، تستهدف المدن الكبرى والطبقة المتوسطة العليا.

· بودي موشنز (Body Motions): علامة الأندية النسائية، تخدم النساء ضمن بيئة آمنة ومحترفة.

· بودي ماسترز إكسبرس: نموذج منخفض التكلفة، يستهدف المدن الثانوية وشريحة الباحثين عن خدمات أساسية.

· بودي إكسبرتس (Body Experts): وحدة متخصصة لتوريد وتجهيز المرافق الرياضية، وتقديم حلول تشغيل متكاملة للجهات الحكومية والشركات.

لم تكتف الشركة بإعادة التسمية، بل طورت استراتيجيات تسويق مخصصة، منها برامج الولاء، وعروض "رشّح صديقك"، والاشتراكات الرقمية الكاملة، مما عزز من ولاء العملاء، وخفّض تكلفة اكتسابهم، وقلل الضغط التشغيلي على الفروع.




📈 نمو مدفوع بالكفاءة: الأداء المالي والتحكم في التكاليف

من الناحية المالية، قدمت الشركة نموذجًا للنمو الذكي المتزن. فقد ارتفعت الإيرادات من 204 ملايين ريال في عام 2021 إلى أكثر من 270 مليون ريال في عام 2023، مع توقعات بتجاوز 327 مليون ريال في عام 2024.

أما صافي الربح، فشهد نموًا لافتًا، من 11.28 مليون ريال في 2021 إلى 29.14 مليون ريال في 2023، أي بنمو فاق 157% خلال عامين فقط، مع توقع تحقيق 38 مليون ريال في 2024.

بلغ ربح التشغيل في 2023 نحو 50 مليون ريال، ما يشير إلى قدرة الشركة على إدارة التكاليف وتحقيق هوامش مستقرة رغم ارتفاع النفقات التشغيلية في السوق.

ويُذكر أن أكثر من 52% من الإيرادات تأتي من الأندية الرجالية، و26.5% من الأندية النسائية، بينما تحقق الحلول المؤسسية B2B نحو 21.2% من الإيرادات عبر عقود مع جهات مثل مركز الملك عبدالله المالي وهيئة تطوير العلا.




⚔️المنافسة: موقع خاص في ظل هيمنة "وقت اللياقة"

تعمل شركة الأندية في سوق يشهد منافسة محتدمة تقودها شركة "لجام" المالكة لعلامة "وقت اللياقة"، والتي تهيمن على أكثر من نصف السوق بنسبة 53.3%. ومع ذلك، استطاعت شركة الأندية أن تنتزع 10.9% من الحصة السوقية، وتثبت نفسها كثاني أكبر مشغل في المملكة.

استراتيجيتها لم تكن تقليدية، بل اعتمدت على تقديم "قيمة مقابل المال"، لا الفخامة المطلقة، وعلى الانتشار الذكي في مدن متوسطة النمو، واستخدام عقود إيجار مرنة بدلًا من تملك الأصول، مما منحها قدرة أعلى على التوسع دون تحميل الميزانية أعباء رأسمالية ضخمة.




🛡️ التحديات: المخاطر الحقيقية خلف النجاح الظاهري

ورغم كل النجاحات، تواجه الشركة عددًا من التحديات الجوهرية:

· سوقية: اعتمادها الكبير على المنطقة الوسطى (59% من الإيرادات)، يجعلها عرضة للتقلبات الجغرافية.

· تشغيلية: تكرار الاكتظاظ في الفروع، مشاكل الصيانة، وصعوبة الحفاظ على جودة موحدة.

· مالية: ارتفاع نسبة الدين إلى حقوق الملكية، والتي بلغت 94% في عام 2021، يُضعف من قدرة الشركة على المناورة التمويلية.

· تنظيمية: تحديات التوطين والامتثال لمعايير الحوكمة الجديدة، خاصة بعد التحول إلى مساهمة عامة.

· ابتكارية: الضغط المتزايد من التطبيقات الرقمية المنزلية، والطلب المتنامي على خدمات "اللياقة من المنزل".




🚀 الاستراتيجية المستقبلية: التوسع المدروس والتقنية أولًا

وضعت الشركة خطة توسع طموحة تقوم على ثلاثة محاور:

1. النمو الأفقي: افتتاح 10 أندية جديدة سنويًا حتى عام 2030، مع تأمين 13 موقعًا جديدًا فعليًا.

2. النمو الإقليمي: دراسة دخول أسواق دولية مماثلة في البيئة السكانية والرياضية.

3. النمو التقني: عبر التحول إلى تجربة اشتراك رقمية كاملة، وتضمين الذكاء الاصطناعي لتحليل الأداء الرياضي وتخصيص البرامج.

كما تعمل الشركة على تطوير دور بودي إكسبرتس كمزود خدمات تجهيز رياضي للمؤسسات الكبرى، وهو ما قد يُمثل مصدر دخل إضافي عالي الربحية في المستقبل.




✅ قصة تحول مؤسسي لا تقتصر على اللياقة

قصة "شركة الأندية للرياضة" هي أكثر من سرد لأداء مالي أو توسع في الفروع. إنها درس في تحويل نموذج تقليدي إلى كيان مؤسسي قادر على التكيف والابتكار والاستدامة في بيئة مليئة بالمخاطر.

في قطاع ينجذب فيه كثيرون إلى الحجم والضجيج، اختارت الأندية طريق "الفهم" و"التمييز الفئوي" و"التحكم المالي". والنتيجة أنها استطاعت أن تصبح ثاني أكبر مشغل، لا بالإنفاق الضخم، بل بالذكاء التشغيلي والمرونة.

إنها باختصار قصة مؤسسة محلية أدركت أن الريادة لا تأتي من التوسع السريع فقط، بل من القدرة على جعل كل خطوة محسوبة… وكل نادٍ جديد، منصة لحياة أفضل.