الشركة الطبية التخصصية (SMC) من التمريض الحكومي إلى منصة الرعاية المتخصصة.

15 يونيو 2025
مدونة مكنة
الشركة الطبية التخصصية (SMC) من التمريض الحكومي إلى منصة الرعاية المتخصصة.

تحرير: مدونة مكنة




في عام 1994، كانت ملامح سوق الرعاية الصحية في السعودية لا تزال تقليدية ومركزية، تعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي وتخضع لمنظومات تشغيل قديمة. في ذلك العام، تأسست الشركة الطبية التخصصية (SMC) في الرياض برأسمال لا يتجاوز خمسة ملايين ريال سعودي. كان النموذج بسيطًا: رعاية طويلة الأجل (LTC) لمرضى الجهات الحكومية بعقود ثابتة، دون الحاجة إلى الابتكار أو المغامرة.

لكن هذا الثبات لم يدم طويلًا. فمع تسارع تحول قطاع الصحة السعودي في إطار "رؤية 2030"، وجدت الشركة نفسها مضطرة لإعادة تعريف نفسها بالكامل — من نموذج التشغيل، إلى نمط الإيرادات، وصولًا إلى بنية الحوكمة وشكل السوق المستهدف.

هذه هي قصة تحول تدريجي لكنه جذري... قصة عن كيف غيّرت شركة عائلية مسارها لتواكب سوقًا يزداد تعقيدًا وتنافسًا.



مرحلة التأسيس: الاعتماد الكامل على الحكومة

في بدايتها، تبنت الشركة نموذجًا تشغيليًا قائمًا على تقديم خدمات الرعاية الطويلة للمرضى المنومين في مرافق مخصصة. غالبية الإيرادات جاءت من عقود مع وزارة الصحة وجهات حكومية، ما وفّر للشركة استقرارًا ماليًا، لكنه جعلها معرضة لمخاطر الاعتمادية العالية، في بيئة تشهد تغيرات تنظيمية وتمويلية متسارعة.

لم يكن لدى الشركة توسع جغرافي، ولا شراكات دولية، ولا طموحات للتوسع في الخدمات التخصصية. ومع ذلك، تمكّنت من ترسيخ سمعة طبية عالية داخل حدود هذا النموذج المحدود.



التحول المؤسسي بقيادة عبدالرحمن سعد الراشد

مع دخول عام 2015، بدأ فصل جديد. قررت قيادة الشركة، برئاسة رجل الأعمال المعروف عبدالرحمن سعد الراشد، تحويل الشركة إلى مساهمة مقفلة. هذا القرار لم يكن مجرد تغيير شكلي؛ بل بداية لعملية إعادة هيكلة عميقة تضمنت رفع رأس المال تدريجيًا ليصل إلى 250 مليون ريال بحلول عام 2024.

أُعيد تشكيل مجلس الإدارة ليضم 7 أعضاء، من ضمنهم ثلاثة مستقلين بارزين من ذوي الخبرة الدولية، مثل كريستيان فريتز شوماخر ومريم بنت عبدالله القصير، مما عزز الطابع المؤسسي للحوكمة. كما دخلت كيانات استثمارية عائلية رئيسية إلى هيكل الملكية، مثل شركة عبدالرحمن سعد الراشد وأولاده، والثماد للتجارة، مما وفّر قاعدة داعمة للتحولات المستقبلية.



نموذج جديد في طور البناء: الرعاية التخصصية والرقمنة

بعد استكمال المرحلة المؤسسية، بدأ التحول التشغيلي الأعمق: من الرعاية الطويلة ذات الطابع التقليدي، إلى رعاية تخصصية عالية الأداء مدعومة بالتقنية. أوقفت الشركة تشغيل نحو 150 سريرًا كانت مخصصة للرعاية الطويلة، ووجهت تركيزها نحو التخصصات ذات الكفاءة الربحية العالية مثل أمراض القلب، الكلى، العيون، والخصوبة.

في هذا السياق، تم إدخال تطبيق إلكتروني متكامل يخدم المرضى، ويقلص وقت الانتظار إلى النصف — من 42 دقيقة إلى 21 دقيقة. كما تم إطلاق نظام إدارة معلومات صحية (HIMS)، وتحقيق اعتمادات طبية دولية ومحلية مثل JCI وCBAHI.

الأهم من ذلك، دخلت الشركة في شراكة حصرية مع "مايو كلينيك" في مجال خدمات المختبرات حتى عام 2026، في خطوة نوعية تعزز من قدرتها على تقديم رعاية تشخيصية دقيقة وموثوقة.



من أين تأتي الإيرادات الآن؟

نتيجة لهذا التحول، أصبحت الإيرادات تعتمد بشكل رئيسي على قطاع التأمين الخاص، الذي مثّل في عام 2024 ما نسبته 75.5% من إجمالي الإيرادات. بينما تراجعت إيرادات العقود الحكومية إلى أقل من 9%، مع نمو ملحوظ في الإيرادات النقدية المباشرة من الأفراد، إضافة إلى خدمات جديدة مثل العيادات الخارجية والصيدليات والتغذية العلاجية.

وبينما استمرت عمليات الشركة مركزة في الرياض، فإن خططها المستقبلية تشمل افتتاح ثلاثة مستشفيات جديدة (SMC 3، 4، 5)، بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ 697 سريرًا، فضلًا عن شراكات محتملة ضمن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)، مثل مشروع مستشفى الطب النفسي.



ماذا تقول الأرقام؟

من عام 2021 إلى 2023، تضاعف صافي الربح ثلاث مرات تقريبًا، مرتفعًا من 56 مليون ريال إلى نحو 169 مليون ريال، بمعدل نمو سنوي مركب تجاوز 70%. كما ارتفعت الإيرادات من مليار و53 مليون إلى أكثر من 1.3 مليار ريال.

لكن هذا النمو السريع لم يخلُ من التحديات. ففي الربع الأول من عام 2025، وعلى الرغم من ارتفاع الإيرادات بنسبة 1.6% على أساس سنوي لتصل إلى 368.9 مليون ريال، تراجعت الأرباح بنسبة 40%، لتسجل 29.6 مليون ريال فقط. وتقلص هامش الربح الصافي من 14% إلى 8%.

هذا التراجع يُعزى إلى التكاليف الكبيرة التي تحملتها الشركة ضمن استعداداتها للطرح العام، والتي شملت:

  • أجور كفاءات طبية لم تبدأ العمل بعد.
  • إيجارات مواقع تشغيلية جديدة.
  • مصاريف إعادة تصميم الهوية المؤسسية.
  • تكاليف حوكمة مثل تشغيل اللجان ومصاريف الطرح.
  • ارتفاع مخصصات الخسائر الائتمانية المتوقعة.

رغم هذا التراجع المؤقت، ارتفعت حقوق المساهمين إلى 856.4 مليون ريال، مما يعكس متانة الوضع المالي طويل الأجل.



البيئة التنافسية والفرص الخارجية

تواجه SMC منافسة قوية من شركات عملاقة مثل الدكتور سليمان الحبيب، المواساة، ودلة الصحية، وكلها تمتلك حضورًا في السوق المدرج، وشبكة تشغيل متعددة المدن.

لكن في المقابل، توفر البيئة المحيطة فرصًا نوعية للنمو:

  • عدد سكان الرياض يُتوقع أن يصل إلى 9.5 مليون نسمة بحلول 2035.
  • يتوقع أن تحتاج العاصمة إلى أكثر من 1500 سرير إضافي بحلول نفس العام.
  • هناك توسع ملحوظ في التأمين الصحي الإلزامي، وازدياد في السياحة العلاجية القادمة من دول الخليج.

كما تسير الحكومة السعودية نحو رقمنة شاملة لقطاع الصحة، مما يجعل من شركة مثل SMC — التي تمتلك بنية تحتية رقمية قوية — مرشحة للمنافسة والتوسع في العقود الحكومية الجديدة.



التحول من ربحية التشغيل إلى بناء المنصة السوقية

ما تقوم به SMC اليوم لم يعد يقتصر على تحسين الأرباح الفصلية، بل بناء منصة صحية شاملة تمتد على طول سلسلة القيمة في الرعاية الصحية — من التطبيب، إلى المختبرات، إلى الصيدليات، إلى خدمات الغذاء الطبي.

إنه انتقال من نموذج "المقدم الفردي" إلى نموذج "المنصة المؤسسية" — حيث تتكامل التكنولوجيا، والحوكمة، والتخصص، والشراكات الدولية في كيان واحد.

وقد انعكس هذا التحول في:

  • تشكيل لجنة استدامة منذ أكتوبر 2024.
  • إطلاق مبادرات لتقليل الانبعاثات والنفايات الطبية.
  • رفع نسب التوطين والتدريب، خصوصًا للكفاءات النسائية.
  • تطبيق معايير ESG في التقارير والاستراتيجيات.



الطرح المنتظر... ماذا بعد؟

مع اقتراب موعد الإدراج في السوق المالية "تاسي"، تدخل الشركة مرحلة حاسمة. ستخضع لمزيد من المتطلبات التنظيمية، والمحاسبية، والتنافسية. لكن أيضًا ستفتح أمامها أبوابًا جديدة للتمويل، والتوسع الجغرافي، وربما الاستحواذات المستقبلية.

إذا نجحت SMC في الحفاظ على هوامش ربح تشغيلية مستقرة، وتحويل مستشفياتها الجديدة إلى مراكز توليد نقدي فعالة، فإنها ستكون في موقع ممتاز لقيادة موجة جديدة من التحول في قطاع الصحة السعودي.



خاتمة: شركة من جيل جديد

إن قصة الشركة الطبية التخصصية ليست فقط عن رعاية صحية... إنها عن القيادة، وعن استثمار طويل الأجل في التحول، وعن الاستعداد لما بعد الطرح. من مستشفى واحد في الرياض إلى منصة طبية ذكية، تكتب SMC فصلاً جديدًا في سجل قطاع الرعاية السعودي.

هذه ليست شركة تبحث عن ربح فصلي... بل عن موقع قيادي دائم.